الأحد، 28 يوليو 2024

 حلقة 8

وصحبة هذا المكتوب أرسل إلي ورقة باللغة الفرنساوية لأطلع عليها «مسيو جومار» وهي بالتقريظ أشبه، وصورة ترجمتها.
لما أراد مسيو رفاعة أن أطلع على كتاب سفره باللغة العربية قرأت هذا التاريخ إلا اليسير منه، فحق لي أن أقول: إنه يظهر لي أن صناعة ترتيبه عظيمة، وأن منه يفهم إخوانه من أهل بلاده فهمًا صحيحًا عوائدنا وأمورنا الدينية والسياسية والعلمية، ولكنه يشتمل على بعض أوهام إسلامية ومن هذا الكتاب يعرف علم هيئة العالم وبه يستدل على أن المؤلف جيد النقد، سليم الفهم، غير أنه ربما حكم على سائر أهل فرنسا بما لا يحكم به إلا على «أهل باريس» والمدن الكبيرة، ولكن هذه نتيجة متولدة ضرورة من حالته التي هو عليها، حيث لم يطلع على غير «باريس» وبعض المدن.

وقد حرص باب العلوم على ذكر المعلومات توطئة للتوصل إلى المجهولات خصوصًا في نبذته المتعلقة بعلم الحساب، وبهيئة الدنيا.
وعبارة هذا الكتاب، في الغالب وضاحة غير متكلف فيها التنسيق، كما يليق بمسائل هذا الكتاب، وليست دائمًا صحيحة بالنسبة لقواعد العربية، ولعل سبب ذلك أنه استعجل في تسويده، أنه سيصلحه عند تبيضه وفي التكلم على علم الشعر ذكر استطرادًا بعض أشعار عربية أجنبية من موضوع هذا الكتاب، على ما يظهر لي، لكنه ربما أعجب ذلك إخوانه من أهل بلاده، وفي الكلام على تفضيل الصورة المدورة على غيرها من الأشكال، ذكر بعض أشياء قليلة الجدوى فينبغي له حذفها، وما ذكرت هذه الأشياء وبينتها هذا التبيين إلا للإعلام بأني دققت النظر في قراءاتي هذا الكتاب
وبالجملة فقد بان لي أن مسيو رفاعة أحسن صرف زمنه مدة إقامته في فرنسا، وأنه اكتسب فيها معارف عظيمة، وتمكن منها كل التمكن؛ حتى تأهل لأن يكون نافعًا في بلاده، وقد شهدت له بذلك عن طيب نفس، وله عندي منزلة عظيمة، ومحبة جسيمة.

البارون سلوستري دساسي:

باريس في شهر فبريه 1831م (19 في شعبان 1246هـ)
-------------------

و(هذه) صورة ترجمة مكتوب كتبه لي قبيل خروجي من مدينة «باريس».
بعد إهداء السلام إلى مسيو رفاعة، يحصل لي حظ عظيم إذا جاء عندي يوم الاثنين الآتي، والساعة في ٣ إن أمكنه أن يسرني برؤيتي له لحيظات لطيفة، ويحصل لي أيضًا غاية الانبساط؛ إذا بعث لي أخباره بعد وصوله إلى القاهرة، فإذا لم يتيسر لي رؤيته طلبت له طريق السلامة، ولا أزال أتذكر دائمَا آثاره، وأستنشق أخباره، مع انجذاب قلب، وانشراح صدر.

البارون سلوستري دساسي (بدون تاريخ)
-----------------------

وصورة ما كتبه «مسيو كوسين دي برسوال» مدرسا للغة العربية المتداولة في المحاورات، المشهورة باسم الدارجة عند العامة، بدار كتب خانة السلطانية «بباريس» وكنت كتبت له أن يبعث لي رأيه في هذه الرحلة، فكتب هذا الجواب، وصورته:
حضرة المحب العزيز الأكرم، الفصيح اللسان والقلم، جناب الشيخ رفاعة المحترم، حفظه الله آمين
بعد إهدائكم جزيل السلام، ومزيد التحية والإكرام، فقد ورد علينا عزيز مكتوبكم البارحة، فبادرنا بقضاء حاجتكم، فواصل لكم طيَّة تحرير تحتوي على رأينا في كتاب حوادث سفركم الذي تفضلتم علينا باطلاعنا عليه، وبالحقيقة قلنا مثل ما هو اعتقادنا وشرحنا ما وجدنا فيه من المحاسن، وأما بخصوص المذام فما لقينا من ذلك شيئًا.

وحيث أنكم عازمون على السفر في آخر هذا الشهر، فالمأمول من حسن محبتكم أنكم بعد وصولكم بالسلامة إلى بلادكم لا تحرمونا من خاطركم، وتواصلونا بالإعلام بصحتكم، ونترجاكم أيضًا أنه إذا طبع كتابكم تبعثوا لنا منه نسخة، وبذلك تصيرونا ممنونين، ولأفضالكم شاكرين، والله تعالى يحفظكم والسلام.

محبكم كوسين دي برسوال

24 شباط 1831م  
--------------------------------

والمراد بطيه التحرير ورقة شهادته بأنه اطلع على هذا الكتاب، وقال رأيه فيه. وصورة ترجمة هذه الطية التي كتبها لمسيو جومار باللغة الفرنساوية ليخبره برأيه في هذه الرحلة:
قرأت بالتأمل مؤلف الشيخ رفاعة الملقب بتخليص الإبريز في تلخيص باريز، فوجدته يتضمن حكاية صغيرة في سفر المصريين المبعوثين إلى فرنسا من طرف وزير مصر الحاج محمد علي باشا، وتشتمل على تخطيط مدينة باريز، وعلى نبذات موجزة في جملة فروع من العلوم المطلوبة التعليم من هؤلاء التلامذة، وقد ظهر لي أن هذا التأليف يستحق كثيرًا من المدح وأنه مصنوع على وجه يكون به نفع عظيم لأهالي بلد المؤلف، فإنه أهدى لهم نبذات صحيحة من فنون فرنسا، وعوائدها، وأخلاق أهلها، وسياسة دولتها، ولما رأى أن وطنه أدنى من بلاد أوروبا في العلوم البشرية والفنون النافعة أظهر التأسف على ذلك، وأراد أن يوقظ بكتابه أهل الإسلام، ويدخل عندهم الرغبة في المعارف المفيدة، ويولد عندهم محبة تعلم التمدن الإفرنجي، والترقي في صنائع المعاش، وما تكلم عليه من المباني السلطانية والتعليمات وغيرها، أراد أن يذكر به لأهالي بلده أنه ينبغي لهم تقليد ذلك، وما نظر فيه في بعض العبارات يدل في الغالب على سلامة عقله، وخلوّه من التعسف والتحامل
وعبارة هذا الكتاب بسيطة أي غير متكلف فيها التنميق، ومع ذلك فهي لطيفة، وحين كان نسخة هذا الكتاب بيدي كان الجزء الذي يتعلق بالعلوم والفنون غير تام، فما رأيت منه إلا نبذة في الرياضيات، وعلم هيئة الدنيا، ومبادئ أصول الهندسة، والجغرافيا الطبيعية، فهذه النبذات وإن كان موجزة إلا أنها مشبعة
فيترجى أن المؤلف يدوم على تأليف النبذات الباقية بهذه المثابة، وإذا اجتمعت هذه النبذات في الكتاب هذا فإنها تكون كتاب علوم مستقل، مفتاحًا لغيره من العلوم نافعًا لأهل العربية، وإذا فرغ الكتاب بهذه الطريقة فإنه يستدل به على رفعة عقل مؤلفه، واتساع دائرة معرفته.

كوسين دي برسوال )) إنتهى
------------------
الفصل السادس من المقالة الرابعة

وزارة الحرب

يقول الواضع اسمه فيه: «شواليه» تلميذ قديم من تلامذة مدرسة العلوم المسماة «بلوتكنيقا» الضابط المهندس المكتوب في وزارة الحرب الوكيل من طرف «مسيو جومار» والأفندية النظار بالإرشاد إلى تعليم مسيو الشيخ رفاعة:

أشهد أني مدة نحو ثلاث السنوات والنصف التي مكثها التلميذ المذكور عندي لم أر منه إلا أسباب الرضى سواء في تعليمه أو في سلوكه المملوء من الحكمة والاحتراس، وحسن خلقه ولين عريكته، وقد قرأ معي في السنة الأولى اللغة الفرنساوية «والقسمغرافيا» انتهى وفيما بعد الجغرافيا والتاريخ والحساب وغير ذلك. ولما كان خاليًا عن الاستعداد والخفة اللازمين لتعلم الرسم مع ثمرة، لم يشتغل به إلا مرة في كل أسبوع لمجرد امتثال أوامر الوالي ولكن صرف جهده مع غاية الغيرة في الترجمة التي هي صنعته المختارة له وأشغاله فيها مبينة في إعلاماتي الشهرية، خصوصًا في «الجرنالات» الأولى التي أعطيتها «لمسيو جومار» وحسب هذا التلميذ ما في هذه الإعلامات والجرنالات
ومما ينبغي التنبيه عليه أن غيرة مسيو الشيخ رفاعة تناهت به إلى أن أدته إلى أن شغله مدة طويلة في الليل تسبب عنه ضعف في عينه اليسار، حتى احتاج إلى الحكيم الذي نهاه عن مطالعة الليل، ولكن لم يمتثل لخوف تعويق تقدمه، لما رأى أن الأحسن في إسراع تعليمه أن يشتري اكتب اللازمة له غير ما سمح به (الميري) وأن يأخذ معلمًا آخر غير معلم (الميري) أنفق جزءًا عظيمًا من ماهيته المعدة له في شراء كتب، وفي معلم مكث معه أكثر من سنة، وكان يعطيه الدرس في الحصة التي لا يقرأ معي فيها
وقد ظننت أنه يجب علي وقت سفره أن أعطيه هذا الإعلام الموافق لما في الواقع ونفس الأمر، وأن أضيف إلى ذلك الإفصاح عما في ضميري من كمال اعتقاد فضله ومحبته.

مسيو شوالي28  في شهر فبريه سنة 1831م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق