الحلقة 49 المدارس البحرية
المدرسةٌ البحرية في الإسكندرية لإعداد الجند للأسطول أُلغيت بعد عام 1836م وكان التدريب العملي على ظهر بعض سفن الأسطول مثل «المنصورة» و«عكا» و«جناح البحر»، وقد حلَّ أعضاءُ البعثات المصريون الذين درسوا الفنون البحرية في أوروبا محلَّ الأجانب بعد عودتهم، وتولَّوا قيادة الأسطول المصري، وكان لهم فضلٌ كبير في «ترجمة اللوائح والقوانين البحرية الفرنسية والإنجليزية»تُرجمت لتلك المدارس كتبٌ حربية كثيرة، تُرجم معظمُها عن الفرنسية أو الإنجليزية إلى التركية، والقليلُ منها تُرجم إلى العربية.
--------------
كان أول مبعوث أرسله محمد على الى أوروبا هو
عثمان نور الدين المولود 1794م في ميتيليني Mytilene، وكانت وقتها جزيرة عثمانية "مدلي Midilli" تبعد عن سواحل تركيا نحو 17 كم فقط رحل مع أبيه الى مصر و كان أبوه سقَّاءً في أحد قصور محمد على فعُرِف الابن باسم "عثمان سقه باشى زاده" أي عثمان ابن الباش سقا.
غير انه سرعان ما أبصر الوالي في عثمان دهاء وذكاء نادرين، فأرسله على نفقته الخاصة في سنة 1809م بناءً على طلب المسيو يوسف بكتي Joseph Bokty قنصل السويد بمصر في بعثة علمية إلى ميلانو وبيزا وليفورن بإيطاليا حيث مكث بها نحو خمس سنوات، ثمَّ انتقل إلى باريس عاصمة فرنسا عام 1819م فأتمَّ في معاهدها العلوم الحربية والبحرية وتلقَّى فنون السياسة وإدارة الحكم و عاد عثمان نور الدين إلى مصر في 1820م وهو يجيد من اللغات التركية والعربية والإيطالية والفرنسية ويلمُّ بحظٍّ لا بأس به من الإنجليزية وخصص له قصر إسماعيل بن محمد علي في بولاق، وألحق به بعض المترجمين ليترجموا «كتب الفنون الحربية وسائر الصنائع»
تولى عثمان نور الدين تدريس علم الهندسة واللغة الفرنسية إلى التلامذة في مدرسة بولاق وقام عثمان نور الدين بترجمة المؤلفات الحربية المختلفة من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية، منها كتاب «القواعد البحرية»، و«قانون نامة سفاين بحرية جهادية»
تعدَّدت البعثاتُ إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا والنمسا لدراسة الطب والهندسة والفنون الحربية والبحرية والترجمة والحقوق والإدارة والكيمياء والتاريخ والعلوم الرياضية والزراعة والطباعة وصناعة السفن والنسج بأنواعه والسباكة، إلخ … إلخ
كانت البعثات أداةً صالحة جدًّا لنقْل علوم الغرب وفنونه وصناعاته إلى مصر علمًا وعملًا وكان عمل المبعوث بمجرد عودته ترجمة الكتب الأجنبية الى العربية والتركية أما الشيخ رفاعة فهو الوحيد الذي تخصص في الترجمة
أُنشئت في أوائل 1251هـ / 1835م مدرسة الترجمة، ثم غُيِّر اسمُها فأصبح "مدرسة الألسن" وكان الطهطاوي ناظرها ، وكانت تُدرس بها اللغات العربية والتركية والفرنسية والحساب، والجغرافيا، ثم دراسة التاريخ
دُرِّست اللغة الإنجليزية وقتًا ما بمدرسة الألسن، وقام على تدريسها مدرِّسٌ إنجليزي، وقرأ التلاميذُ قصصًا وكتبًا في قواعد اللغة الإنجليزية
بدأت تصفية المدرسة عام 1266هـ / 1840م مع ولاية الخديو عباس الأول و أُلغيت مدرسة الألسن وضُمَّ تلامذتها إلى المدرسة التجهيزية ، وفي أواخر 1266هـ سافر رفاعة إلى الخرطوم ليكون ناظرًا ومدرِّسًا لمدرسة الخرطوم الابتدائية
كانت الترجمةُ في عصر محمد علي قائمة لخدمة المدارس، والمصانع، والجيش، والأسطول، والإدارات، المنشآت الحديثة
تمت ترجمة كتب الطب البشري والبيطري، و العلوم الطبيعية كالطبيعة والكيمياء، والنبات والحيوان … إلخ
كتب العلوم الرياضية من حساب وجبر وهندسة، وهندسة وصفية، وميكانيكا، وهدروليكا، وحساب مثلثات … إلخ لمدارس الهندسة،
كتب العلوم الحربية والبحرية، وما يتصل بها من فنون الرسم والعلوم الرياضية مما كان يُدرس في المدارس الحربية والبحرية
كتب العلوم الاجتماعية أو الأدبية؛ كالتاريخ والجغرافيا، والاجتماع والجيولوجيا والفلسفة … إلخ مما كان يُدرس في مدرسة الألسن.
في أوائل عهد محمد علي كانت الكتب الأولى القليلة مُترجمة عن الإيطالية، ثم أصبحت الترجمةُ في معظمها عن اللغة الفرنسية، والفنُّ الوحيد الذي نُقلت بعض كتبه وتعليماته عن الإنجليزية هو قوانين وتعاليم الأسطول المصري بحكم أن إنجلترا لها السبقُ في هذا الفنِّ
وكانت الترجمةُ إلى اللغتين التركية والعربية؛ ولكن الكتب الحربية تُرجمت إلى اللغة التركية؛ لأن معظم طلاب المدارس الحربية في عهدها الأول كانوا من أبناء المماليك والأتراك
تم إستيراد الكتبَ الكثيرة من تركيا التي عرفت الطباعة عام 1728م ثم قامت الإرساليات المسيحية في الشام بإدخال الطباعة ولكن أول مطبعة في مصر جاءت مع الحملة الفرنسية عام 1798م وانتهى أمرها مع جلاء الفرنسيين
أوفد محمد علي بعثة عام 1815م إلى إيطاليا للتخصص في فن الطباعة ، وبدأت أعمال إقامة مطبعة بولاق عام 1235هـ / 1820م وتمت طباعة أول كتاب بها عام 1822م وكان قاموس عربي إيطالي
كما أنها أصدرت أول صحيفة مصرية هى "الوقائع المصرية" حيث صدر العدد الأول منها فى 25 جمادى الأولى 1244 ه الموافق 3 ديسمبر 1828م
أحضر محمد علي ثلاث آلات للطبع ومجموعات من الحروف العربية والإيطالية واليونانية من ميلانو كما أحضر الحبر والورق والمواد الأخرى اللازمة للطباعة من ليجهورن Leghorn وتريستا Triesteثم تحول الى فرنسا
كانت الحروف الإيطالية سيئة الخط فقام خطاط فارسي بصنع حروف جديدة وجميلة عام 1237هـ/1823م وتم تشغيل معامل لإنتاج الحبر والورق حوالي 1250هـ / 1834م وتوقف إستيرادها
وقد كان أول مدير للمطبعة هو نقولا مسابكي فنياً وعلمياُ حتى مات 1830م
((وقد ذكر الرحالةُ الإيطالي «بروكي» أن مسابكي هفَا في أول عهده بالعمل هفوةً خطيرة كادت تُقصيه عن العمل وتودي به؛ وذلك أن قَسًّا إيطاليًّا من كالابريا اسمه «كارلوبيلوتي» كان مدرِّسًا بمدرسة بولاق نظم قصيدة طويلة في «الأديان الشرقية»، وكانت تتضمن طعنًا في الدين الإسلامي، وأعطاها لمسابكي ليطبعها في مطبعة بولاق))
وتسرب الخبر إلى محمد علي الذي أمر في الحال بإحراق أصل القصيدة وتوسط عثمان نور الدين في العفو عن مسابكي " توفيق إسكاروس، تاريخ الطباعة في وادي النيل، الهلال، ديسمبر سنة ١٩١٣م"
تعددت المطابع لمواكبة حركة الترجمة وكان معظمها بالمدارس وبعض الدواوين مثل المطبعة الملحقة بمدرسة الطب في أبي زعبل، وقد طُبع بها عام 1248هـ / 1832م أول كتاب ترجم في الطب وهو كتاب «القول الصريح في علم التشريح»
و مطبعة بمدرسة الطوبجية بطرة، وأول كتاب طُبع بها هو كتاب: «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وقد طُبعت بها كتبٌ حربية ورياضية وجغرافية أخرى و مطبعة أخرى في المدرسة الحربية بالجيزة، و في القلعة مطبعةٌ أيضاً
مطبعة ديوان الجهادية طُبعت فيها «رسالة في علاج الطاعون» عام 1250هـ و«رسالة فيما يجب اتخاذُه لمنع الجرب والداء الإفرنجي " مرض الزُهري" عن عساكر الجهادية ونسائها» عام 1251هـ والرسالتان من تأليف كلوت بك.
قامت المطابع أيضًا بإحياء كثير من المخطوطات القديمة التي دعت الحاجةُ إلى طبْعها
وجدت الكتب المطبوعة في مصر أسواقًا رائجة في تركيا وبلاد المغرب العربي ، ولكن كانت الكتب المترجمة أو المطبوعة لا تجد لها سوقاً داخل مصر فقد كانت الأمية المنتشرة عائقاً أمام القرآة كما كانت لا تفيد الأزهريين فكانت الكتب تُختزن في مخازن المطبعة في بولاق، والتي تشتكي دائما من صعوبة «تصريف» الكتب التي اكتظَّت بها
كانت تُنتخب ثلاث نُسَخ من كل كتاب من الكتب الكبيرة النفيسة التي طُبعت في مطبعة مصر ويتم تجليدها وتذهيبها وإرسالها هدايا لملوك فرنسا وروسيا وشاه العجم وغيرهم
كانت الكتب المترجمة من تأليف المدرسين الأجانب وكبارالمؤلفين في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
يقول كلوت بك عند كلامه عن مدرسة الطب: «تقرَّر الرجوعُ إلى مصنفات الأساتذة: «كلوكيه»، و«بروسيه»، و«لالمان»، و«ماجاندي»، و«روش»، و«سانسون»، وغيرهم من أساطين الطب الفرنسيين.»
ومن الأمثلة على تلك الكتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق