من مصادرنا كتاب رحالة وكتاب مصريون الى فرنسا في القرن التاسع عشر( أنور لوقا
وترجمة كاميليا صبحي وأمل الصبان)
وإن كان أنور لوقا في ص 25 من النسخة الإكترونية يرى أن غياب الرحالة المسلمون عن
أوروبا في الوقت الذي كان الرحالة الغربيون يجوبون الشرق ، هذا الغياب سببه ديني
وينسى د لوقا أن الرحالة المسلمون شهيرون في التاريخ ولكن محاكم التفتيش الأوربية
منعت دخول المسلمين اليها
مقدمة
باتت الرؤية أمام
المفكرين المسلمين في مصر منذ غزو نابليون ومنهج محمد علي باشا الطموح لحكم
مصر غامضة
وبالذات كان أكثر ما رأى المسلمون في نهضة أوروبا هو التطور التقني الذي طغى على
منافذ عقولهم والذي وَلّد فيهم شعور دفين بالتخلف وروح إنهزامية رانت على عقول
المسلمين في مصر وغيرها على امتداد القرن التاسع عشر و العشرين
كما انبهروا بباريس وباتوا يمتدحون جمالها
وسلاسة حياة أهلها وألَّفوا فيها الكتب ونظموا الشعر
كانت النتيجة الطبيعية لتلك البعثات الى فرنسا وغيرها الانبهار الذي أَسَر العقول
وشل الفكر وألجم الألسنة وزادهم إيمانا بمنطق سلطة العقل فباتوا في صدمة حضارية
أثّرت سلبا على مسيرة الفكر في مصر والعالم الإسلامي بالذات لعقود من الزمان ،
ويُعبِّر الجبرتي عنها حين زار مكتبة الفرنسيين ومعهدهم فيقول "ولهم فيه
أمورٌ وتراكيب غريبة، ينتجُ منها نتائجُ لا تسعُها عقولُ أمثالنا"
من رواية الجبرتي أيضا نعلم أن أول من دخل المهندسخانة عام
1816م هم ( مماليك الباشا ثم أولاد الناس " أي أبناء قدامى المماليك المصرلية
" ثم كان منهم بعض المصريين الأقحاح ) و لم يستعين بعلماء الأزهر وقد مر بنا
من قبل أنهم كانوا يدرسون الرياضيات والحساب والجبر والهندسة والفلك وغيرها ،ولكنه
إستقدم معلمين من الفرنجة وقساوسة من المبشرين الطليان للترجمة
والبعثة الأولى الى فرنسا عام
1826م كانت من 44 طالبا وكان بينهم 18 فقط من المتحدثين بالعربية، بينما كان
البقية يتحدثون التركية
أي أنه كان حريصا على إبعاد المصريين الخلص عن التعليم الحديث وبعض هؤلاء ال 18كان
أئمة البعثة وهم أزهريون بالطبع ولكن باقيهم كانوا من " أولاد الناس" أي
بقايا المماليك
كان الأزهريون منهم أئمة فقط بما فيهم الطهطاوي إمام البعثة وثلاثة آخرين
أي أن طبقات المصريين الأقحاح من أدنى طبقات الهرم الاجتماعى الإقطاعى الذي كان
سائدا آنذاك قد حُجِبت عنهم نظم الحياة المدنية الغربية الحديثة التي كانت حكرا
فقط على طبقة الأتراك والألبانيين وبعض أهل الشام والأوروبيين واليهود ونخبة من
المصريين
تزعم الشيخ رفاعة الطهطاوي نهضة العلم والأدب
"أو تحديث العلوم والأدب" في عصر محمد علي
من هو الشيخ رفاعةمصري صميم ،من أقصى الصعيد ،نشأ نشأة عادية من أبوين
فقيرين ، قرأ القرآن وتلقى العلوم الدينية كما يتلقاها عامة طلبة العلم في عصره
ودخل الأزهر كما دخله غيره، وصار من علمائه كما صار الكثيرون، لكنه بذ الاقران،
وتفرد بالسبق عليهم، وتسامت شخصيته إلى عليا المراتب، ذلك انه كان يحمل بين جنبيه
نفسا عاليا، وروحا متوثبة، وعزيمة ماضية، وذكاء حاد، وشغفا بالعلم، واخلاصا للوطن
وبنيه، تهيات له اسباب الجد والنبوغ فاستوفى علوم الأزهر في ذلك العصر
ثم صحب البعثة العلمية الاولى من بعثات
محمد علي، وارتحل إلى معاهد العلم في باريس، واستروح نسيم الثقافة الأوروبية،
فزادت معارفه، واتسعت مداركه، ونفذت بصيرته، لكنه احتفظ بشخصيته، واستمسك بدينه
وقوميته، فاخذ من المدنية الغربية احسنها، ورجع إلى وطنه كامل الثقافة، مهذب
الفؤاد، ماضي العزيمة، صحيح العقيدة، سليم الوجدان، عاد وقد اعتزم خدمة مصر من
طريق العلم والتعليم، فبر بوعده ووفى بعهده، واضطلع بالنهضة العلمية تاليفا وترجمة
وتعليما وتربية، فملأ البلاد بمؤلفاته ومعرباته، وتخرج على يديه جيل من خيرة علماء
مصر، وحمل مصباح العلم والعرفان يضئ به ارجاء البلاد، وينير به البصائر والاذهان، وظل
يحمله نيفا واربعين سنة، وانتهت إليه الزعامة العلمية والأدبية في عصر محمد علي،
وامتدت زعامته إلى عصر إسماعيل، ذلك هو رفاعة رافع الطهطاوي.
فلنستعرض تاريخ تلك الشخصية الكبيرة التي زينت عصر محمد علي، والتي لها الأثر
الكبير على انهضة العلم والأدب في تاريخنا الحديث
نشاته الاولى
هو السيد رفاعة بن بدوي بن علي بن محمد علي بن رافع، يتصل نسبه بمحمد الباقر بن
علي زين العابدين بن الحسين بن فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو
من نسل الحسين، وامه يتصل نسبها بالانصار ، الطهطاوي بلدًا، الحُسيني القاسمي نسبًا
ولد في طهطا بمديرية جرجا، ولذلك سمى الطهطاوي وكانت ولادته في 7 جمادى الثانية
1216 هـ / 15 إكتوبر 1801م
كان اجداده من ذوي اليسار، ثم اخنى عليهم الدهر، فلما ولد المترجم كانت عائلته في
عسر، فسار به والده إلى منشاة النيدة بالقرب من مدينة جرجا، واقاما في بيت قوم
كرام من أقاربه يُقال لهم بيت أبي قطنة من
ذوي اليسار والمجد فأقاما هناك ثم إنتقلا الى قنا ثم إلى فرشوط، وفي خلال ذلك كان
المترجم يحفظ القرآن وتوفي والده فعاد الى طهطا حيث اتم حفظ القرآن الكريم
ووجد من أسرة أخواله
اهتماما كبيرا حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت
متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو وهم بيت علم من الانصار الخزرجية وفيهم جماعة من
افاضل العلماء كالشيخ عبد الصمد الانصاري والشيخ أبي الحسن الانصاري، والشيخ فراج
الانصاري، والشيخ محمد الانصاري
بدت عليه مخايل الذكاء والنباهة من صباه، وكان محبا للعلم والتحصيل، ذا عزيمة
قوية، فجاهد في المطالعة والدرس، واخذ العلم عن شيوخ عصره.
ولما بلغ رفاعة السادسة عشرة من عمره التحق
بالأزهر وذلك في سنة (1232 هـ 1817م)، مسلحا بما سبق أن تعلمه على يد
أخواله، الأمر الذي ساعده على مواصلة الدراسة مع زملائه الذين سبقوه في الالتحاق
بالأزهر. وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتصوف والتفسير والنحو والصرف...
وغير ذلك. وتتلمذ عل يد عدد من علماء الأزهر العظام مثل
الشيخ الفضالي المتوفى عام 1236هـ/ 1820م
و درس عليه صحيح البخاري
الشيخ البخاري المتوفى1256هـ / 1840م ودرس عليه الحكم لابن عطاء الله السكندري
الشيخ محمد حبيش المتوفى عام 1269هـ / 1853م ودرس عليه (مغنى اللبيب) و (جمع
الجوامع)
الشيخ الدمنهوري المتوفى عام 1286هـ / 1869م
ودرس عليه (شرح ابن عقيل)
وكان من بينهم من تولى مشيخة الجامع الأزهر، مثل
الشيخ أحمد الدمهوجي الذي تولى مشيخة الأزهر سنة 1254هـ / 1838م ، والمتوفى عام
1264هـ / 1848م ودرس عليه (الأشموني)
الشيخ حسن القويسني الذي تولى مشيخة الأزهر1250هـ / سنة 1834م ودرس عليه جمع
الجوامع في الأصول و مشارق الأنوار في الحديث
والشيخ إبراهيم البيجوري الذي تولى مشيخة الأزهر وتوفى 1860م / 1277هـ
والشيخ حسن العطار، وكان هذا الأخير ممن
وثق الطهطاوي صلته بهم ولازمهم وتأثر بهم
وتميز الشيخ العطار عن أقرانه من علماء
عصره بالنظر في العلوم الأخرى غير الشرعية واللغوية، كالتاريخ والجغرافيا والطب،
واستفاد من رحلاته الكثيرة واتصاله بعلماء الحملة الفرنسية
و كان الشيخ العطار قد فقد ثقتَه بهذه العلوم اللغوية مذ بهرتْه علومُ الفرنسيين،
وراح يطلب غيرَها لنفسه، ويقرأ لتلاميذه كتبًا غيرَ كتب الأزهر، وعلومًا غير علوم
الأزهر، وكان يقول: "إنَّ بلادنا لا بد أن تتغيَّر أحوالُها، ويتجدَّد بها من
المعارف ما ليس فيها"
واحب العطار تلميذه لما انسه فيه من
الذكاء والاكباب على العلم، فقربه إليه ، وحفه برعايته، ووثق الطهطاوي صلته به ولازمه وتأثر به وكان الشيخ رفاعة يتردد عليه كثيرا في منزله،
وياخذ عنه العلم والأدب والجغرافية والتاريخ.
وكان الشيخ حسن العطار من علماء مصر الاعلام، وامتاز بالتضلع في الأدب وفنونه
والتقدم في العلوم العصرية، وكان كثير الإرتحال في ربوع مصر والشام أيضا وكان هذا
نادرا بين علماء الأزهر، فاقتبس منه المترجم روح العلم والأدب، فكانت تلك الميزة
من اسباب نبوغه، ذلك ان الأدب قد فتح ذهنه إلى البحث والتفكير وهداه إلى سداد
الراي وحسن الديباجة وسلامة المنطق
والشيخ حسن العطار كان من تلامذة الشيخ حسن الجبرتي " والد المؤرخ الشهير
الجبرتي "ودرس عليه الرياضيات والفلك وغيرها
من هنا نشات ميول رفاعة منذ نشاته العلمية إلى العلوم العصرية، والى الأدب
والانشاء،
تبنى العطار علميا وأدبيا تلميذه رفاعة ووجهه إلى الاغتراف من ينبوع الأدب الفياض،
وقد بادر الشيخ رفاعة إلى الارتواء من منهله العذب، وهو بعد في الأزهر، فقرا كثيرا
من كتب الأدب، ومهر في فنونه، واذا تاملت في رحلته (تخليص الإبريز) وهي اول كتاب
الفه في باريس، شهدت فيما يدلك على سعة مادته من بدائع الأدب العربي في النثر
والنظم.
والشيخ العطار كما يقول رفاعة هو الذي اشار عليه قبل رحيله إلى فرنسا ان يدون
رحلته في تلك الاقطار، فكانت هذه الرحلة تخليص الابريز باكورة مؤلفته، فالشيخ
العطار كما ترى له يد طولى في تكوين رفاعة وهو الذي اختاره اماما للبعثة كما سيجئ
بيانه
أنشأ الشيخ حسن العطار جريدة الوقائع المصرية ورأس تحريرها
الأربعاء، 24 يوليو 2024
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق