الأحد، 28 يوليو 2024

 حلقة 46

وهنا لا بُدَّ أنْ نتوقَّف للإشارة إلى نوعَيْن من المُصلِحين:
النوع الأوَّل: يعمَلُ في مُواجهة السُّلطة القائمة، محاولاً طرحَ أفكاره الإصلاحيَّة بالدعوة في نفس الوقت إلى تَقوِيض السلطة القائمة مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي
والنوع الثاني: يعملُ من خِلال السُّلطة، وبما تُوفِّرُه له من أدواتٍ ووسائل، وكان من هؤلاء رفاعة رافع الطهطاوي وعلي مبارك وهما من كبار المصلحين الذين استَطاعُوا من خِلال تَعاوُنهم مع السُّلطة القائمة تنفيذ برنامجهم الإصلاحي الذي ما زالت آثارُه باقيةً في مصر حتى اليوم.
-------------------
حلقة 47  من المنهج الوافي في رحلة الطهطاوي
كان محمد علي باشا الأوروبي العثماني نشأة مفتونا من طفولته بالفرنجة وحين تمكن من تملك مصر رأى ضرورة إنشاء جيش حديث فبدأ تحديث الجيش على النظام الغربي باستخدام الأجانب ، ثم أرسل البعثات إلى أوروبا، وبعدها أدخل التعليم المدرسي على النسق الأوربي وكان من الضروري وجود مترجمين ليكونوا واسطة بين المعلمين الأجانب وبين الطلبة في مصر
رأى محمد علي أن يُعلِّم العلوم الحديثة في مصر ولكنَّ يُعلِّمها باللغة العربية رغم أنه تركي اللغة وإن كان يجهل اللغة العربية كتابة أو حديثا لكنه أدرك أن اللغة القومية في مصرهي القادرة على الوصول الى المصريين
بدأ محمد على تحكمه الكامل في مصر بعد مذبحة المماليك في مارس 1811م وعقبها أنشأ المدرسة الحربيَّة الأولى لتعليم أولاد المماليك وغلمانهم بالقلعة وصار اسمها المهندسخانة ولم تقبل سوي ( العثمانيين من ترك وأكراد وشركس وجورجيين ويونان وأرمن ) أي لم يكن بها مصريون
 وكان التدريس والمدرسون من الإيطاليين، والبعثات إلى إيطاليا أساسا  حتى 1816م
كانت المدرسة الفرنسية الأولى عام 1241/1826م
والجيش يحتاج الى أطباء ومستشفيات وكانوا في أول الأمر «من أفاقي اليونان والطليان» وثبت ذلك فإستدعى محمد علي الدكتور «كلوت بك» ليكون طبيبًا ورئيسًا لجرَّاحي الجيش المصري عام 1825م وتدريجيا  جاء الفرنسيون ورحل الإيطاليون وأُنشئت مدرسة الطب في سنة 1242 هـ/ 1827م إلى جانب مستشفى الجيش بأبي زعبل للدراسة العملية إلى جانب الدراسة العلمية وكان التشريح أول مشكلة ولكن الأخطر كانت مشكلة اللغة فهيئةُ التدريس من 3 أساتذة فرنسيين و2 إيطاليين و واحدٌ إسباني والطلبة الجدد لا يعرفون غير العربيَّة فلجأ «كلوت بك» إلى المترجمين لنقل الدروس إلى اللغة العربية في حضرة الأستاذ، وكان الأستاذ يمدُّ المترجم بالشروح والتفسيرات اللازمة ليسهل عليه مهمَّته؛ ويطلب الإستاذ من المترجم إعادة الشرح باللغة الفرنسية أو الإيطالية للتأكد من فهم المترجم لما قاله ، ويسجل الطلبة الدروس المترجمة في دفاترهم الخاصة
ومن خلال المترجم كان التفاهم بين الأساتذة والطلبة ، وكل شهر يتم الإمتحان ولكن كانت النتائج سيئة
 ولكن كانت «الدروس التي يُدرسها المدرسون الأجانب الذين لا يُلمُّون باللغة العربية أو باللغة التركية كان ينقلها للطلبة مترجمون لا يعلمون شيئًا عن معناها، كما أنَّه لا يمكن شرحُها لهم لعدم إلمامهم بهذا العلم، وهذا هو السبب الوحيد في تأخُّر الطلبة»
 وأحسَّ «كلوت بك» نفسه  تلك الطريقة بدأ يكلف هيئة المترجمين في المدرسة بترجمة الكتب الطبيَّة إلى اللغة العربية
 وكان أوَّل كتاب طبي تُرجم في هذه المدرسة هو كتاب «القول الصريح في علم التشريح»، وهو من تأليف «بايل
Bayle» وبه زياداتٌ للدكتور «كلوت بك»، وقد ترجمه يوحنا عنحوري، وطُبع في مطبعة المدرسة بأبي زعبل سنة 1248هـ / 1832م  
وجاءت طائفةٌ من المحررين والمصححين من شيوخ الأزهرلإمداد المترجمين بالمصطلحات الطبية الصحيحة و تقويم أسلوب الترجمة العربي وتصحيحِه وتمكنوا جميعاً خلال خمس سنين إنشاء قاموس طبي
Vocabulaire تزيد كلماتُه على ستة آلاف كلمة
كما تم إلحاق المترجمين كطلبة بالمدرسة لتلقي العلوم الطبيَّة وقام كلوت بك  بإنشاء مدرسة لتعليم الطلاب هذه اللغة
«وقد عمل الشيخ رفاعة رافع في هذه المدرسة مدرِّسًا للترجمة لعشرين تلميذًا بعد عودته من فرنسا»
إختار كلوت بك 12 طالبا من أوائل الخريجين لأول بعثة طبية إلى فرنسا عام 1832م وعادوا للعمل كمعيدين ومساعدين للأساتذة الأجانب ومترجمين للكتب التي كان يراجعها مترجمي المدرسة ومصححيها أجمعين قبل طبعها
وقد ظل الأجانب بعد كلوت بك يديرون المدرسة حتى 1291هـ/  1845م ثم تولاها د إبراهيم النبراوي من البعثة المصرية

وأُنشئت
مدرسة الصيدلة عام ١٢٤٥هـ / ١٨٣٠م في القلعة ثم أُلحقت بمدرسة الطب بأبي زعبل وأدارها الدكتور «لويس ألساندري  Alessandri» وكان كلُّ طلبتها من المصريين وكان التعليم فيها مثل مدرسة الطب لأنَّها فرعٌ منها
وأُنشئت مدرسة المولدات عام1247 هـ / 1832 م وأُلحقت بمدرسة الطب وكانت تلميذاتها في اول الأمر من الجواري السودانيات والحبشيات وعدد من الأغوات وتدريجيا كان الجميع مصريات فقط 
وكانت التلميذاتُ يُدرِّسْن اللغة العربية إلى جانب المواد الطبية، وكان «كلوت بك»، مديرًا للمدرسة وينوب عنه في الإشراف على المدرسة أحد مدرسي مدرسة الطب و تَولَّى عدد من أعضاء البعثة الطبيَّة الأولى إلى فرنسا هذا المنصبَ ودرست التلميذات بالعربية في كتب مترجمة بمعرفة مدرسة الطب وأهمُّها رسالةٌ مؤلَّفة في فنِّ التوليد وكان يشترك في التدريس طبيبةٌ فرنسية اسمها «الآنسة جولييت»، وقد خلفتها فرنسية أخرى اسمها الآنسة «غو» عام 1836م 
بدأتْ مدرسة الطب البيطري في رشيد سنة1243 هـ/ 1828 م ثم نُقلت إلى أبي زعبل لتلحق بمدرسة الطب البشري بعد 3 سنوات و مديرها طبيبٌ فرنسي هو المسيوهامون
 Hamont»» وخلفه المسيو برنس Prince»» عام 1842م ثم المصريون بعد ذلك ،وكان المدرسون هم مدرِّسو مدرسة الطب البشري يُضاف إليهم خمسةٌ من الأساتذة والمدرِّسين، ومُعيدان، كما عُيِّن لها مترجمان ومصحِّحان
ونُقلت مدرسةُ الطب البشري إلى قصر العيني في أوائل سنة1837 م ونُقلت مدرسة الطب البيطري إلى شبرا، وأُلحقت هناك بإصطبلات الحكومة وتُرجمت في هذه المدرسة كتبٌ كثيرة في الطب البيطري
المدارس الزراعية
كانت أولاها «الدرسخانة الملكية» التي أُنشئت في سنة ١٢٤٥هـ / ١٨٣٠م كان تلاميذها يَدرُسون
 إلى جانب المواد الزراعية  اللغتَين العربية والفارسية فقد كان ناظرها محمد أفندي الأدرنة لي ملمًّا باللغات الثلاث العربية والفارسية والتركية وقد أُلغيت هذه المدرسةُ بعد إنشاء ديوان المدارس ثم أنشئت مدرسة الزراعة بشبرا الخيمة، عام ١٢٤٨هـ / ١٨٣٣م وكان يقوم بالتدريس فيها أعضاءُ البعثة الزراعية الذين عادوا من أوروبا وجرى إغلاقها أيضا
و أُنشئت مدرسة الزراعة بنبروه، في أواخر سنة 1251 هـ/  1836م وكان ناظرها الأول يوسف أفندي الأرمني الأصل الفرنسي التعليم  وكان أساتذتها من أعضاء البعثة الزراعية، ورأى محمد علي أن يكونوا جميعًا من المصريين «لعدم ميل أبناء الترك لفنِّ الزراعة
كان «الباشخوجة»، أي المدرس الأول للزراعة يقوم بالتدريس ثم «يقضي بقيةَ ساعات اليوم في ترجمة دروس النبات والموضوعات الأخرى التي يُحيل الناظرُ إليه ترجمتَها من الفرنسية إلى العربية».
ثم نُقلت في سنة ١٢٥٥ هـ/ ١٨٣٩م إلى شبرا و وفي أوائل سنة ١٢٦٠ هـ/ ١٨٤٤م نُقلت إلى مدينة المنصورة ثم أُلغيت بعد شهور قليلة، ووُزِّع تلاميذُها «على الجفالك حتى لا ينسوا ما تعلَّموه»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق