حلقة 38 من ( المنهج الوافي في رحلة الطهطاوي )
الفصل الثالث من المقالة السادسة
عن فن الكتابة وهو التعبير عن المقصود بنقوش مخصوصة تسمى حروف الهجاء وأغلب الحروف
الهجائية متفقة في سائر اللغات ومبدوءة بحرف الألف إلا عند الحبشة، فإن حرف الألف
هو الثالث عشر
و الكتابة هي روح المعاملات وإحضار
الماضي، وترتيب المستقبل ووصول المراد، ونصف المشاهدة
والكتابة مرتبة من اليمين الى اليسار أو العكس وهناك من يكتب من أعلى إلى أسفل حسب
الاوطان
تنازع الشعراء في التفضيل بين السيف والقلم
وتمام رفع المنازعة في تاريخ الدول لابن الكردبوسي الأندلسي في قوله: قوام الملك
شيئان: السيف، والقلم، والثاني مقدم على
الأول، وبرهن على ذلك، والظاهر أن يقال في ذلك ما قيل في الكتابتين: من أن صناعة
الإنشاء أرفع، وصناعة الحساب أنفع، فيقال إن السيف أرفع من القلم، والقلم أنفع
------------
الفصل الرابع من المقالة السادسة وتناول الطهطاوي فيه علم البلاغة المشتمل على
البيان والمعاني والبديع
والفصل الخامس به نبذة عن علوم المنطق والقياس
والمشهور أن واضعه «أرسطو الحكيم» وأن «أفلاطون» هذبه، وأن «زنون» وضحه
أما الفصل السادس فعن " المقولات العشر المنسوبة إلى أرسطو "
الفصل السابع خصصه الطهطاوي لعلم الحساب المسمى باللغة الإفرنجية الأرتيماطيقي وهو
أحد العلوم الرياضية الخالصة وعلم الهندسة الخاص بقياس الأبعاد الثلاثة ( الطول والعرض والعمق)
وعلم الجغرافيا و أقسامه
الجغرافيا الرياضية أو علم هيئة الدنيا والجغرافية الطبيعية والجغرافيا الدينية، والجغرافيا السياسية أو
التدبيرية والجغرافيا التاريخية
وأما التاريخ فهو أيضًا مما ينبغي للإنسان الاطلاع عليه، لا سيما أرباب الدول
ويقول بعض المؤلفين من الإفرنج التاريخ مدرسة عامة يقصدها من أراد من الأمم أن
يفوز بالتعلم
وننقل بالنص
((أوَما رأينا أن الهيكل الواحد يتداول على محرابه عدة
أديان متباينة؟
وكم ارتكبت الرذائل حيث كانت الفضائل
قاطنة؟
وكم من قواعد فخر وغنى آل أمرها إلى أن أعقبها الفقر والحقارة؟
وكم شوهد أن الخشونة والتمدن يمشيان
بهرولة على سطح الكرة، ويتبادلان على أجزائها من غير تخلل وساطة بينها؟
وكيف قد آل أمرك أيُّتها المدائن التي
كانت عامرة ببلاد آسيا، وقد كنت تحكمين على جميع الأمم يا مدن «نينيويونس»،
و«بابل» السحر؟ أو « يا اصطخر» فارس، و«تدْمُر» سليمان، كيف
صارت الآن مجالك خرابًا، وقد كنت كراسي دول العلوم فلم يبق لك من فخارك القديم،
وبهائك الجسيم غير الاسم وبعض رسم من حجر!
ومع ذلك فلم يحل ببلد من بلاد الدنيا، من النكبات العجيبة والبلايا الغريبة، مثل
ما حل بمصر المباركة المصابة بالشقاء التي كانت خيولها تسبق سالفًا خيول سائر
الممالك في الركض في ميادين الفخار والعلم والحكمة!
فكأن
الدهر أراد أن يصب على هذه البلاد " دفعة واحدة " إما نعيم الإنعام، أو
عذاب الانتقام
مع أنه لم يكن من الأمم مثل قدماء مصر، في
كونهم بذلوا جهدهم في الجلوس على مباني هياكلهم المشيدة، وأرادوا بذلك أن يكونوا
مؤبدين، فبادوا جميعًا وانقرضوا
حتى إن أهل مصر الموجودين الآن ليسوا
جنسًا من أجناس الأمم، بل هم طائفة متجمعة من مواد غير متجانسة، ومنسوبون إلى عدة
جنوس مختلفة، من بلاد آسيا وأفريقية، فهم مثل خليط، من غير قياس مشترك، وتقاطيع
شكل صورهم لا تتقوم منها صورة متحددة بها يعرف كون الإنسان مصريًا من سحنته،
فكأنما سائر بلاد الدنيا اشتركت، في تأهيل بر النيل!؟
انتهى مترجمًا من مقدمة «الخواجا أكوب» في
تاريخ مصر.))
------------------
خاتمة الكتاب
نتيجة هذا السفر
أنجب السفر علماء منهم من وصل إلى رتبة أساطين الإفرنج، فهم ما بين مدبر للأمور
الملكية، حائز كمال الرتبة في السياسات المدنية، كحضرة عبدي أفندي
وما بين متمكن في معرفة إدارة الأمور
العسكرية
وبلغ مصطفى مختار بيك أفندي درجة علية في
علم إدارة المهمات العسكرية
ومنهم قباطن للسفن الحربية مثل حسن بك
أفندي، وكذا الأفندية البحريون
وخبراء بالطب، أو بالكيميا الصحيحة المرضية
وبصير بالطبيعيات، وماهر في علم الزراعة
والنباتات،
ومنهم فائق الأقران في الفنون والصنائع، وحريٌّ بفتح (فبريقات) تشتهر ببراعته بغير
منازع
شهرة اصطفان أفندي في العلوم و الفنون بما فاز
«آلتين أفندي» و خليل أفندي محمود، وأحمد أفندي يوسف
وبالجملة فالجل من الأفندية حصل المرام، ورجع لنشر هذا بديار الإسلام.
لم يذكر الطهطاوي بقيتهم خوفا من الإطالة ولكنه استشهد ببيت للطغرائي في لامية
العجم
وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه ... وليس يعملُ إلاَّ في يدَيْ بَطَلِ
خرجت البعثة من باريس في رمضان ١٢٤٦ هـ / فبراير 1831م الى مرسيليا ثم الأسكندرية
ومروا على مدينة « فونتينبلو Fontainebleau » على بعد نحو 60
كم جنوب شرق باريس بها قصر ملكي شهير حيث جردت معاهدة فونتينبلو في أبريل 1814م نابليون من سلطاته وأرسلته إلى
المنفى في جزيرة إلبا
كان في القصرنصب عليه أسماء ملوك فرنسا من "البوربون " ومُحيت الأسماء أثناء ثورة 1830م
وهكذا عادة الزمان، في تلونه بجميع الألوان، وغدره وفتكه بقوم، وإقباله على آخرين
قبل تمام يوم
واستشهد الطهطاوي بقول القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي
(؟-ذو القعدة 291 هـ)، وزير عباسي، تولى الوزارة بعد وفاة والدهِ عام 288 هـ،
كوزير للخليفة المعتضد بالله، وبعدهُ للخليفة المكتفي بالله
قتلت صناديد الرجال فلم أدع عدوًا ولم
أمهل على جيشه خلقًا
وأخليت دار الملك بعد ملوكهم فشردتهم غربًا وبددتهم شرقًا
فلما بلغت النجم عزًا ورفعة وصارت رقاب
القوم أجمع لي رقا
رماني الردا سهمًا فأخمد جمرتي فها أنا ذا في حفرتي عاطلاً ملقى
وكتابة تلك الرسوم " أي أسماء الملوك" من عادة الإفرنج، تأسيًا بالسلف
من أهالي مصر وغيرهم
فانظر إلى بناء أهل مصر للبرابي وأهرام
الجيزة، فإنما بنوها لتكون آثارًا ينظر بعدهم إليها من رآها.
(( ولنذكر لك آراء الإفرنج فيها، وما ظهر لهم بعد البحث التام حتى
تقابله بما ذكره المؤرخون فيها من الأوهام. فنقول: ملخص كلام الإفرنج: إن الذي
بناها هو ملوك مصر، وأنه اختلف في زمن بنائها، فبعضهم زعم أنها بنيت من منذ ثلاثة
آلاف سنة، وأن الباني لها ملك يقال له: «قوف» "ولعله يقصد خوفو" وبعضهم
قال إن الباني لها ملك يقال له: «خميس» و«خيوبس»
والأظهر أن أحجارها منحوتة من صعيد مصر لا
من البحيرة
وقال بعضهم: إن مدة بنائها لم تكن أزيد من
ثلاثة وعشرين سنة، وأن العملة الذين بنوها كانوا ثلثمائة وستين ألف نفس، ولكن
بمصاريف عظيمة، حتى إن ما صرف على البصل والكراث للعملة يبلغ على ما قاله «بلنياس»
نحو عشرين مليونًا من القروش المصرية، ثم إن هذه الأهرام تنسب إلى أحد ملوك الفراعنة،
وأنه أعد الهرم الأكبر ليضم جثته، والآخرين لدفن زوجته وبنته، فلم يدفن هو في
الأول، بل بقي هذا الهرم الآن مفتوحًا. وأما الهرمان الآخران فدفنت فيهما بنته
وزوجته، وسُدّا سدًا محكمًا، هذا ما حكاه الإفرنج في شأن الأهرام، وما قيل في عظم
بناء الهرمين العظيمين:
خليلي ما تحت السماء بنية يشابه بنياها بنا هرمي مصر
بناء يخاف الدهر منه وكل ما على الأرض يخشى دائمًا سطوة الدهر
وقال بعضهم في الأهرام، مضمنًا عجز بيت من معلقة طرفة:
لقد بت بالأهرام حول أحبة جفوني ببرد يابس وتجلد
قال السيوطي في منتهى العقول: إنه يتعجب من قول العلماء: إن أعجب ما في مصر الأهرام، مع أن البرابي بالصعيد أعجب منها، والبرابي هي المشهورة عند العامة بالمسلات، ولغرابتها نقل منها الإفرنج اثنتين إلى بلادهم: إحداهما نقلت إلى رومة في الزمن القديم، والأخرى نقلت إلى باريس في هذا العقد.
وأقول: حيث إن مصر أخذت الآن في أسباب التمدن، والتعلم على منوال بلاد أوروبا فهي أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة، وسلبه عنها شيئًا بعد شيء يعد عند أرباب العقول من اختلاس حلي الغير للتحلي به، فهو أشبه بالغصب، وإثبات هذا لا يحتاج إلى برهان؛ لما أنه واضح البيان
وقد صنع نابليون في باريس عمودًا مفرغًا من المدافع التي سلبها من الموسقو والنمسا، وقد حاول الموسقو إسقاطه حين حلولهم بباريس، فما ظهر إلا عجزهم عن ذلك ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق