الأحد، 28 يوليو 2024

 حلقة 42  من المنهج الوافي في رحلة الطهطاوي


    ونتكلم أيضًا على علم المعادن واستخراجها وقطع الحجارة من مقاطعها، وعلى علم الحشائش الطبية، والنباتات المستعملة في الفنون والصنائع، وعلى البهائم النافعة، وعلى علم الجبر والمقابلة والهندسة
    الأمر الخامس: يشتمل على جملة فروع من علم توفير المصاريف وسياسة الدولة، وعلى تنبيهات على علم أحوال الممالك والدول، وعلى سبب ثروتها وغنى أهلها، وعلى أحوال المعاش والمعاد وعلى ولادة الذكور والإناث في كل بلدة من البلاد، وعلى الإدارة الملكية، وعلى الأصول العامة المستعملة أساسًا لسياسات الإفرنج، وهي الحقوق العقلية والحقوق القانونية والحقوق البشرية، أي: الحقوق التي للدول بعضها على بعض.

    السادس: سـيـاسـة الصـحـة العـمـومـيـة والخصوصية، ففي ذلك نتكلم على تلقيح البقري للجدريّ، وعلى الطاعون ومعالجاته، وعلى الأمراض والعوارض العامة وعلى بعض تشريح.

    السابع: نذكر فيه جملة تعليمات مختلفة من مسائل أدبية وفلسفية ولغات وعلوم مثل علم الفصاحة، وفيه نتكلم أيضًا على المكاتب والمدارس في البلاد المختلفة، ونبذات في تواريخ البلاد خصوصًا مصر، وعلى حكايات ونوادر من غرائب الآداب والبلاغة الإفرنجية والمشرقية، وكذلك نذكر شيئًا من علم المنطق، ونبين الوسائط المسهلة المعلمة بالإيجاز للقراءة والكتابة والحساب، وطرق تعليم هذه الأشياء في أقرب زمن لسائر العامة.

    الثامن: نبحث فيه عن عدة أشياء متنوعة، وفيه نذكر أخبار التجارة والسفن البحرية وإقامة العربات العامة وتحسين الطرق والترع والخلجان والقناطر المعلقة، والإشارة المسماة تيلغراف " يعني إشارة الأخبار " وجميع الأشغال المتجددة عند الإفرنج، ونضم لذلك لوحات أشكال لكمال الفائدة، وكذلك نرسم خرطات جغرافية وصور النباتات والحيوانات التي تنقل من البلاد الغريبة وتربى في مصر، ونذكر كثيرًا من الأمور التي تتجدد على تداور الأزمان، وبالجملة فنذكر نبذة صغيرة متشعبة من أصول عظيمة ومستفادة من أفواه الثقات سهلة الفهم لسائر الناس، ولا نستعير منها شيئًا من صعاب الكتب  ))
انتهى كلامه، ولو ينجز ما وعده به لأنه علق ذلك على الإرادة السنية ولم يصدر له أمر إلى الآن
 وبالجملة فهو أي «الخواجة جومار» من المولعين بحب مصر ظاهرًا وباطنًا ومن الراغبين في خدمة الوالي حبًا له ولدولته
وهذا آخر ما يسره الله " سبحانه وتعالى " في ذكر حوادث السفر لتلك الجهة التي لا ينكر معارفها إلا من لا إنصاف عنده ولا معرفة له، قال الشاعر: ( البيت الأول للبوصيري من بردة المديح  ، ولم أجد قائل البيت الثاني

قد تنكر العينُ ضوء الشمس من رمد  وينكر الفم طعم الماء من سقم

والفضل كالشمس لا يخفى على أحد  إلا على أكمه عما يراه عمي
ولا ينبغي أن يمنع ذو الحق حقه، كما قال الشاعر ( طرفة بن العبد ) في هذه الأبيات المملوءة من الحكمة:
إِذا كُنتَ في حاجَةٍ مُرسِلاً   فَأَرسِل حَكيماً وَلا توصِهِ

وَإِن ناصِحٌ مِنكَ يَوماً دَنا   فَلا تَنأَ عَنهُ وَلا تُقصِهِ

وَإِن بابُ أَمرٍ عَلَيكَ اِلتَوى  فَشاوِر لَبيباً وَلا تَعصِهِ

وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقَّهُ  فَإِنَّ القَطيعَةَ في نَقصِهِ

وَلا تَذكُرِ الدَهرَ في مَجلِسٍ  حَديثاً إِذا أَنتَ لَم تُحصِهِ

وَنُصَّ الحَديثَ إِلى أَهلِهِ  فَإِنَّ الوَثيقَةَ في نَصِّهِ

وَلا تَحرِصَنَّ فَرُبَّ اِمرِئٍ  حَريصٍ مُضاعٍ عَلى حِرصِهِ

وَكَم مِن فَتىً ساقِطٍ عَقلُهُ  وَقَد يُعجَبُ الناسُ مِن شَخصِهِ

وَآخَرَ تَحسِبُهُ أَنوَكاً  وَيَأتيكَ بِالأَمرِ مِن فَصِّهِ

لَبِستُ اللَيالي فَأَفنَينَني  وَسَربَلَني الدَهرُ في قُمصِهِ
ولا أحد يخلص من قال الناس وقيلهم، كما قال الشاعر( أبو العتاهية)

وَلَم أَرَ إِنساناً يَرى عَيبَ نَفسِهِ   وَإِن كانَ لا يَخفى عَلَيهِ جَميلُ

وَمَن ذا الَّذي يَنجو مِنَ الناسِ سالِماً  وَلِلناسِ قالٌ بِالظُنونِ وَقيلُ
وحيث كان العمل بالنية، والمدار على حسن الطوية؛ فلا معول على من لم يكن نيّر السياسة، ساطع الكياسة، ولا اكتراث إلا بمن رقي رتبة عليه في الرسوم والقوانين وتشبث بالشريعة، وكان فيها ذا رياسة، ودرى أن القصد إنما هو حس أهل ديارنا على استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس، وما يؤهلهم لإملائهم الأحكام على هؤلاء الناس.
وبالجملة فنحن الآن على ما كان عليه الأمر في زمن الخلفاء العباسية، كما قال الشاعر:( أبو تمام. الطائي  وقيل للبحترى)

هذى مخايل برق خلفه مطر ... جود وروى زناد خلفه لهب

وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب

ولبعض أقارب الطهطاوي:

يا من غدا معجبًا مما اقترحت وقد  أضحى يروم مقال العاذل اللاحي

أما رأيت إذا شمسُ الضحى غربت  يلجا الحريض إلى ضوء بمصباح
(رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشيّ فيخصر )
البيت لعمر بن أبي ربيعة، من قصيدته التي مطلعها «أمن آل نعم ..»
واستشهد الطهطاوي ببيت غير معروف قائله

ليس الفتى بفتى لا يستضاء به  ولا يكون له في الأرض آثار
( وعن معاوية بن أبى سفيان أنه أخذ في إحياء الأرض في آخر أمره، فقيل له، فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:

لَيْسَ الفَتَى بِفَتيً لَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ... وَلَا تَكُونُ لَهُ فِى الأَرْضِ آثَارُ ) من الكشاف للزمخشري
وعلى كل حال فأرجو ممن نظر فيه أن يتصفحه بجملته؛ ليكون على بصيرة مما يقول، فإن المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل منه، ولا أقول إلا كما قال الشاعر:ولم ينسبه الطهطاوي لأحد
فإليك وشيًا حاكه في الطُّرس ذو باع قصير
واستر إذا عيب بدا  والله يعفو عن كثير
لا زلت أنا محمود نعمان أحتفظ بمفكرة عبد الهادي البيومي  لعام 1971م وهي نموزج مصغر لـ ( روزنامات المسيو جومار ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق