الأحد، 28 يوليو 2024

 حلقة 78

 من تلك النصوص النادرة التي أوردها كتاب «رحلة الملوك» في أصله الفرنسي، ما قاله الرائد التنويري رفاعة الطهطاوي، معبرا عن معاناة شق قناة السويس كضرورة لخدمة ورفاهية البشر ما معناه
 «يا مصر لك المجد والعزة فسوف نعيد فتح قناة عمر بن الخطاب العتيقة، فقد كان لأجدادنا فيما مضى شرف تنفيذ هذا العمل الخارق. إن شق الخليج لواجبٌ مقدس. تتقلب الأرض وتزمجر ما بقي الخليج موجودا. افتحوا فيه طريقا إن شق بطن الخليج لمؤلم، ولكن بعد ذلك ستزول آلامنا إلى الأبد»
 يقول المترجم عباس أبو غزالة إن عمله في هذا الكتاب «رحلة الملوك» يأتي في إطار عمل موسوعي عن ثقافة وتراث قناة السويس، بدأها بترجمة أطروحة الباحثة الفرنسية نتالي مونتل، وعنوانها «حفر قناة السويس.. دراسة في تاريخ ممارسة التقنية»، ثم ترجم كتاب «دليل رحلة ضيوف الخديو إسماعيل لزيارة آثار مصر» بمناسبة افتتاح قناة السويس 1869، وأخيرا استكمل جهد ترجمة الكتابين السابقين بترجمة كتاب «رحلة الملوك»
رسالة الحفناوي.. وقرار التأميم
 في 15 يونيو من العام 1951 ناقش الدكتور مصطفى الحفناوي رسالته العلمية التي تقدم بها إلى كلية الحقوق بجامعة باريس لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة، ووضعها القانوني والسياسي على الأراضي المصرية، وانتهى في بحثه إلى ضرورة أن تكون القناة ممر ملاحي عالمي، يكفل لكافة السفن المرور بها وأن تكون محايدة ولا تخضع لأي صراعات دولية، على أن تكون تحت السيادة المصرية وبإدارة مصرية
 صحيح أن هناك من سبق الدكتور مصطفى الحفناوي في كتابة أطروحات ودراسات علمية حول القناة، مثل محمد طلعت حرب باشا في رسالته عن قناة السويس، ومثل الدكتور حسين حسني برسالته عن التاريخ السياسي لقناة السويس، لكن تبقى رسالة الحفناوي «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» التي ترجمت إلى العربية وظهرت في 4 مجلدات كبيرة (صدرت منها طبعة جديدة بمناسبة احتفالات المصريين بالقناة الجديدة عن مكتبة الأسرة)، أوفى وأشمل مرجع عن تاريخ قناة السويس وما مرّ بها من تطورات ودار حولها من نزاعات إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي
 كانت هذه الرسالة الضخمة التي اطلع عليها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، هي حجر الأساس الذي بنى عليه قراره التاريخي بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956م أولى عبدالناصر اهتماما كبيرا بعمل الحفناوي، واستدعاه أكثر من مرة للقائه والتحاور معه حول القناة وضرورة نشر الوعي اللائق بها في صفوف الناس وتركيز الأضواء على ما اشتملت عليه رسالته من حقائق ومعلومات ووثائق لم تتوافر لغيره بعد أن اطلع على وثائق القناة في باريس
 الأمر الذي كان مزعجا بشدة لدوائر المراقبة في الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا
 إذن فقد أراد الحفناوي في رسالته الجليلة دراسة وبحث المركز القانوني والدولي لقناة السويس، وفق أصول وقواعد القانون الدولي وفي ظل المعاهدات والاتفاقيات الموقعة بهذا الشأن، وأثبت الحفناوي أن القناة ملك خاص لمصر (كان هذا الكلام سنة 51 أي قبل حركة الضباط في يوليو 52 وقبل قرار التأميم في 56 بخمس سنوات)، بحكم المواثيق التي عقدها «خالد الذكر» الخديو إسماعيل، عاهل مصر الذي شق القناة
 وفرق الحفناوي بين فكرتين محوريتين في بحثه
، الأولى هي ملكية القناة والسيادة عليها، وهذا ما لا جدال فيه ولا تهاون من أن مصر وحدها ولا شريك لها في هذه الملكية وتلك السيادة
 الفكرة الثانية وهي الخاصة بوظائف القناة باعتبارها مرفق عالمي ينتفع به في خدمة الملاحة العالمية وهذه (أي وظيفة القناة) لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تؤثر على الوضع القانوني للبلد الذي تجري فيه القناة، ولا أن تقيد حقوق هذا البلد وسيادته
 اعتبر الحفناوي أن الخلط بين هاتين الفكرتين هو السبب وآفة الآفات في ماضي قناة السويس وحاضرها ومستقبلها، وهو مصدر جميع المشكلات التي أثارتها القناة في حينها
 ولهذا خصص الجزء الأول من كتابه الضخم لـ «تاريخ القناة وأصول مشكلاتها المعاصرة».
يقول الحفناوي في نهاية الجزء الأول من كتابه:
 «أردت بهذا الجزء الأول من كتابي الكشف عن مأساة لعلها أخطر مأساة وأقسى مؤامرة عرفها التاريخ، وما كان بوسعي، وأنا مصري، أن ألتزم في التعبير الحدود الجافة، فكنت وأنا أعرض فصول تلك الحوادث المروعة متأثرا لدرجة لا أستطيع معها كبح جماح العاطفة والشعور، وليست عاطفة المصري الحزين على بلاده فحسب، بل عاطفة رجل قانون يمقت الظلم وتثور نفسه كلما رأى هذا القانون يمتهن ويستهان به»
 وتجدر الإشارة إلى أن كتابا آخر شديد الأهمية صدر في مصر عام 1968م عن دار الكاتب العربي بمصر، وعنوانه «قناة السويس أهميتها السياسية والاستراتيجية وتأثيرها على العلاقات المصرية البريطانية (1914-1956»، للمؤرخ الدكتور محمد عبد الرحمن برج، وهو من الكتب التي لا غنى عنها لمن أراد التوسع ومعرفة المزيد من المعلومات والتحليلات المفصلة في هذا الجانب من موضوع دراسة القناة. هذا الكتاب لم يطبع سوى هذه الطبعة القديمة، وأظن أن المهتمين بدراسة القناة وقراءة شيء عن تاريخها وسياقها السياسي خاصة خلال فترات الاشتعال وصراع الإمبراطوريات الاستعمارية في حاجة شديدة وملحة إلى طبعة جديدة من هذا الكتاب المهم
حكاية قناة.. المسكوت عنه في هذا الكتيب الصغير الذي صدر عن سلسلة حكاية مصر (العدد الثالث) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، سرد تاريخي مبسط يروي قصة حفر قناة السويس، التي اعتبرتها مؤلفة الكتاب، الدكتورة إيمان عبد المنعم عامر، محور تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ طرحت كأفكار ومشروعات، فقد كان حلم الوصول إلى الشرق هو الذي دفع بالموجات الاستعمارية خارج القارة الأوروبية
 كان برزخ السويس موقعا عبقريا جعل من مصر مطمعا استعماريا وبأقل قدر من الضمير الإنساني مضى «ديليسبس» ومعاونوه ومساعدوه من مختلف الجنسيات الأوروبية في تنفيذ هذا المشروع على وجه لا يمكن أن يتصور الإنسان أبشع ولا أشنع ولا أوجع منه. يقدم هذا الكتيب الذي يقع في 104 صفحات فقط من القطع الصغير، دفاعا مجيدا عن تضحيات وبطولات المصريين والثمن الفادح الذي تكبدوه عرقا ودماء وسخرة في سبيل إنجاز مشروع القناة
 ويوضح أن المشروع في بدايته لم يكن يستهدف صالح مصر بقدر ما كان يخدم مصالح الدول الاستعمارية الكبرى، وما كان للقناة أن تحتل مكانتها التي تحتلها الآن وصارت محل إجماع العالم بأسره لولا كفاح طويل وممتد ومستمر من المصريين لاستعادة هذه القناة والدفاع عنها وتطويرها كي تكون حقا «هدية مصر إلى العالم»
 «حكاية قناة السويس»، رغم صغر حجمه، واندراجه ضمن ما يسمى بالكتب المفاتيح، التي تقدم معرفة أولى ومدخلا مناسبا لمن أراد أن يتعرف على الموضوع ويلقي نظرة طائر على ما يتعلق بقناة السويس، فإنه كُتب بروح مشحونة بالعاطفة والرفض لكل الممارسات العدائية والعنيفة التي شابت حفر القناة، وركزت المؤلفة على النضال والكفاح المصري في استعادة القناة والدفاع عنها، مبرزة التضحيات البشرية الهائلة التي قدمتها مصر للمشروع والتي لا تقدر بثمن، بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي خسرها الاقتصاد المصري طوال تلك السنوات التي كانت فيها الشركة العالمية لقناة السويس خارج سيطرة السيادة المصرية
 كانت قناة السويس جرحا في قلب وضمير كل مصري وكانت استعادتها لمصر حلما من أكبر الأحلام وإن بدا أكثرها استحالة وصعوبة، لهذا تؤكد المؤلفة أن «تأميم قناة السويس» كان حتمية سياسية واقتصادية، فلم يكن ليستقيم شعار الثورة آنذاك مع وجود احتكار أجنبي مقيت في بقعة من أعز بقاع الأراضي المصرية، وفي جزء شديد الحيوية من البلاد
 اتخذ عبد الناصر قراره التاريخي بالتأميم، وخاضت مصر المعارك، وعادت القناة لسيطرة وسيادة المصريين، وها هي الآن تقدم للعالم هدية جديدة تتوج بها رحلة نضال وعرق وكفاح طويل. ملحمة من البذل والتضحية ارتبطت بالكفاح الوطني لنيل الاستقلال ....................... «ديليسبس الذي لا نعرفه» يحفل بصور مثيرة ونادرة تحتم إعادة النظر في تاريخ القناة ....................... افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 كان حدثا أسطورياً بكل المقاييس
 ....................... عبد الناصر اتخذ قرار التأميم بناء على رسالة دكتوراه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق