حلقة 7
الفصل الثالث من المقالة الرابعة
خطاب من
جومار ترجمته:
إلى محبنا العزيز الشيخ رفاعة
((لا يخفى عليكم الأمر الوارد من الوالي المتعلق بالأوراق الشهرية، المشتملة على
الدروس التي قرأتموها، فدم على ما أنت عليه من المواظبة، وابعث هذه الأوراق في
اليوم الثلاثين كل شهر «لمسيو المهردار أفندي» واطلب منه أوراقًا غير مكتوبة،
ولتكتبها بعد ذلك، ومن المعلوم أن هذه الورقة الشهرية لا تأخذ في كتابتها إلا نصف
ساعة؛ لأن الغرض منها مجرد ضبط عدد الدروس التي قرأتها، ومعرفة نوعها، وليكتب رئيس
مدرستك في كل شهر في الورقة الشهرية تحت اسمك، ولا يخفى علي اجتهادك، ولا أجهل قدر
ثمرة تحصيلك، فاطلب منك أن تواظب على توفية الحقوق التي كلفت بها، واعلم وتيقن
بمحبتي لك.
جومار
أحد أرباب
ديوان الأنسطيطوت
باريس في 15يوليو
1830م / 25 محرم 1246هـ))
---------------------
الفصل السادس من المقالة الرابعة
ففي أول امتحان عام بعث لي «مسيو جومار»
كتابًا يسمى «رحلة أنخرسيس في بلاد اليونان» سبعة مجلدات جيدة التجليد مموهة
بالذهب، يصحبها هذا المكتوب الذي صورته مترجمًا:
أول يوم من شهر أغسطس 1827م
قد صرت مستحقًا لهدية اللغة الفرنساوية، بالتقدم الذي حصلته فيها، وبالثمرة التي
نلتها في الامتحان العام الأخير، ولقد حق لي أن أهنئ نفسي بإرسالي لك هذه الهدية
من طرف (الأفندية) النظار دليلاً على التفاتك في التعليم، ولا شك أن الوالي يسر
متى أخبر أن اجتهادك وثمرة تعلمك يكافئان المصاريف العظيمة التي يصرفها عليك في
تربيتك وتعليمك، وعليك مني السلام مصحوبًا بالمودة
وهدية
الامتحان تشبه أن تكون مثل جائزة الشعراء: أو هي كقصب السبق
------------------------
وفي الامتحان العام الثاني بعث لي كتاب «الأنيس المفيد، للطالب المستفيد»، و«جامع
الشذور، من منظوم ومنثور» تأليف «مسيو دساسي» وصحبته هذا المكتوب، وصورته مترجمًا
باريس ١٥ شهر مارث سنة 1828م
(( قد صرت مستحقًا لهدية النحو الفرنساوي، بالتقدم الذي حصلته في هذه اللغة،
وبالثمرة التي نلتها في الامتحان العام الأخير، ولقد سرني أنك صرت مستحقًا أن أبعث
لك علامة السرور منك، تشويقًا لك، وها أنا باعث جدول امتحانك للوالي باجتهادك
وفلاحك، ولا شك أنه يسر بأنك تشتغل مع ثمرة، وأنك أهل لرعايته لك واعتنائه تربيتك
وتعليمك، وعليك مني السلام))
وفي هذين الامتحانين أخذت هدية الامتحان
-----------------------------
وأما صورة الامتحان الأخير الذي به رجعت إلى مصر أن «مسيو جومار» جمع مجلسًا فيه
عدة أناس مشاهير، ومن جملتهم وزيرا لتعليمات الموسقوبي رئيس الامتحان، وكان القصد
بهذا المجلس معرفة قوة الفقير في صناعة الترجمة التي اشتغلت بها مدة مكثي في فرنسا
وصورة ما تحصل من الامتحان وكتبه الفرنساوية في وقائع العلوم ما نصه: وصور التلميذ
رفاعة أنه قرئ في المجلس دفتران: الدفتر الأول يشتمل على تعديد اثنتي عشرة ترجمة
من اللغة الفرنساوية إلى العربية ترجمها المذكور منذ سنة وهذه أسماؤها:
الأول:
نبذة في تاريخ إسكندر الأكبر، مأخوذة من تاريخ القدماء، الثاني: كتاب أصول
المعادن، الثالث: رزنامة سنة 1244هـ ألفه «مسيو جومار» لاستعمال مصر والشام،
متضمنًا لشذرات علمية وتدبيرية، الرابع: كتاب دائرة العلوم في أخلاق الأمم
وعوائدهم، الخامس: مقدمة جغرافية طبيعية مصحة على «مسيو هنبلض»، السادس: قطعة من
كتاب ملطبرون في الجغرافية، السابع: ثلاث مقالات من كتاب «لجندر» في علم الهندسة،
الثامن: نبذة في علم هيئة الدنيا، التاسع: قطعة من «علميات ضابطان عظام» العاشر:
أصول الحقوق الطبيعية التي تعتبرها الإفرنج أصلاً لأحكامهم، الحادي عشر: نبذة في
«المثولوجيا» يعني جاهلية اليونان وخرافاتهم، الثاني عشر: نبذة في علم سياسات
الصحة.
الدفتر
الثاني: يشتمل على رحلته، وذكر سفره ثم أحضر له عدة تآليف مطبوعة في بولاق، فترجم
منها مواضع بسرعة إلى اللغة الفرنساوية، ثم قرأ بالفرنساوية مواضع منها ما هو صغير
ومنها ما هو كبير في «كازيطة» مصر المطبوعة في بولاق، ثم بحث معه في ترجمة
العلميات العسكرية المترجمة له فكان بعض الحاضرين يده الأصل الفرنساوي، والشيخ
بيده الترجمة. ثم إنه يترجم العربية بالسرعة إلى الفرنساوية قراءة لا كتابة،
ليقابل عبارة الترجمة مع عبارة الأصل، وقد تخلص على وجه حسن من هذا الامتحان فأدى
العبارات حقها من غير تغيير في معنى الأصل المترجم، ولكن ربما أحوجه اصطلاح اللغات
العربية أن يضع مجازًا بدل مجاز آخر من غير خلل في المعنى المراد، مثلاً:
في تشبيه
أصل علم العسكرية بمعدن مشبع يستخرج منه كذا غير العبارة بقوله: العسكرية بحر عظيم
تستخرج منه الدرر. وقد اعترض عليه في الامتحان بأنه بعض الأحيان قد لا يكون في
ترجمته مطابقة تامة بين المترجم والمترجم عنه، وأنه ربما كرر، وربما ترجم الجملة
بجمل، والكلمة بجملة، ولكن من غير أن يقع في الخلط، بل هو دائمًا محافظ على روح
المعنى الأصلي، وقد عرف الشيخ الآن إنه إذا أراد أن يترجم كتب علوم فلا بد أن يترك
التقطيع، وعليه أن يخترع عند الحاجة تغييرًا مناسبًا للمقصود، وقد امتحن في كتاب
آخر، وهو مقدمة القاموس العام المتعلقة بالجغرافيا الطبيعية، وهذا الكتاب ترجمه هو
إلى العربية ولما كان وقت ترجمة هذا الكتاب لم يصل إلى درجته الآن في اللغة
الفرنساوية، كانت ترجمته دون ترجمة الكتاب الذي بحث معه فيه قبله، وكان عيبه أنه
لم يحافظ على تأدية عبارة الأصل بجميع أطرافها، وعلى كل حال فلم يغير في المعنى
شيئًا، بل طريقته في الترجمة كانت مناسبة، فتفرق أهل المجلس جازمين بتقدم التلميذ
المذكور، ومجمعين على أنه يمكنه أن ينفع في دولته، بأن يترجم الكتب المهمة المحتاج
إليها في نشر العلوم، والمرغوب في تكثيرها في البلاد المتمدنة
ولا شك أن بعض هذه الكتب قد يحتوي على
أشكال، وأحمد أفندي العطار من أهل بلاده يشتغل بالطباعة على الأحجار لأجل ذلك، وقد
كان حاضرًا في المجلس، فقدم لأهل المجلس عدة عينات مطبوعة بيده على الحجر من تصوير
وكتابة عربية وفرنساوية، وقد ابتدأ في معرفة تسيير الشوكة للنقش والقلم للكتابة،
وقلم الشعر لكتابة التصوير، وفي تصويراته توجد حيوانات وأمور عمارات وغير ذلك من
الأمور المصنوعة بالخطوط من غير ظل، ولكنه جاء في فرنسا كبير السن؛ فلم يمكنه أن
يصور تصويرًا صحيحًا خاليًا عن جميع العيوب، ولكن يمكنه أن يعرف معرفة تامة طريق
الطباعة على الحجر علمًا وعملاً، وينسخ (عينات) التصوير التي تعطى له ويطبعها بنفسه
عند الحاجة، ويمكنه أن يتأهل لفتح دار لطباعة الحجر ونظارتها، وقد ترجم مختصرًا في
صناعة الطباعة بالحجر وكتبها على الحجر وطبعها بيده، وكانت نسخة منها موضوعة على
(باش تختة «مسيو جومار» انتهى كلام «كازيطة» دائرة العلوم.
--------------
من الفصل الرابع من المقالة الرابعة في كتاب الطهطاوي
(( في بعض مراسلات بيني
وبين بعض من كبار علماء الفرنساوية غير مسيو جومارفممن كاتبني عدة مرات «مسيو
دساسي» ولنذكر لك بعض مكاتيبه، فمنها ما كتبه باللغة العربية، ومنها ما كتبه
باللغة الفرنساوية.
صورة
مكتوب منه:
من الفقير عليّ — رحمه ربه سبحانه وتعالى — إلى المحب العزيز المكرم، والأخ المعز
المحترم الشيخ الرفيع رفاعة الطهطاوي، صانه الله - عز وجل - من كل مكروه وشر،
وجعله من ذوي العافية وأصحاب السعادة والخير
أما بعد: فإن القطعة التي أكملت المطالعة فيها من كتابك النفيس، وحوادث إقامتك في
باريس رددتها إليك على يد غلامك، ويصلك صحبتها حاشية مني على ما تقوله في باب
تصريف الفعل في لغتنا الفرنساوية، فإذا نظرت فيها تبين لك صحة ما نستعمله من صيغة
الفعل الماضي، فمن الواجب عليك أن تصنف كتابًا يشتمل على نحو اللغة الفرنساوية
المتداولة عند أمم أوروبا كلها وفي ممالكها؛ حتى يهتدي أهل مصر إلى موارد تصانيفنا
من فنون العلوم والصناعات ومسالكها، فإنه يعود لك في بلادك أعظم الفخر ويجعلك عند
القرون الآتية دائم الذكر، ودمت سالمًا.
كتبه
المحب سلوستري دساسي ( بدون تاريخ )
------------------------
صورة
مكتوب آخر:
إلى حبيبنا الشيخ رفاعة الطهطاوي، حفظه الله، وأبقاه. أما بعدك فإنه سيصلك مع هذا
ما طلبته منا من الشهادة بأننا قرأنا الكتاب المشتمل على حوادث سفرك، وكل ما أمعنت
فيه النظر من أخلاق الفرنساوية وعوائدهم وسياساتهم وقواعد دينهم وعلومهم وآدابهم
وجدناه مليحًا مفيدًا يروق الناظر فيه، ويعجب من وقف عليه، ولا بأس أن نعرض خط
يدنا على "مسيو جومار" وإن شاء الله يحصل لك بمصنفك هذا حظوة عند حضرة
سعادة الباشا وينعم عليك بما أنت أهله ودمت على أحسن حال.
-------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق