الأحد، 28 يوليو 2024

 الحلقة 26

الفصل الثامن من المقالة الثالثة
في سياسة صحة الأبدان بمدينة باريس
لأن الإفرنج من أحكم الأمم؛ كثر اعتناؤهم بهذا الفن، وبتكميل آلاته ووسائطه، كالحمامات والمحام الباردة المياه، وترييض الجسم وتعويده على الأمور الشاقة، كالعوم، وركوب الخيل، والألعاب التي يخف بها البدن
والحمامات في باريس متنوعة وكثيرة وأشهرها نحو ثلاثين حماما  وفي الحقيقة هي أنظف من حمامات مصر، الجملة ، ولا يوجد لديهم مغطس عام كما في مصر بل الغرف فردية بها مغطس واحد من النحاس و لا تسمح بكشف العورة للأخرين ولا يعرق الإنسان بها أبدًا
 يمكن أن يوصي الإنسان على حمام بالبخار، فإنهم يصنعون له ذلك ولكن بثمن آخر غير الثمن المعتاد
وفي الحمام صف غرف للرجال وصف آخر للنساء، ويمكن حمل المغطس الى منزل المريض
توجد ثلاثة مدارس على نهر السين لتعليم السباحة ومدارس لتخفيف البدن، وجعله قابلاً للأشياء العجيبة كالبهلوانية، والمصارعة، ونحو ذلك
-------------------------
الفصل التاسع من المقالة الثالثة
اعتناء باريس بالعلوم الطبية
باريس مقصد المرضى للعلاج ومقصد  لتعلم العلوم خصوصًا العلوم الطبية، و تسمى أيضًا علم الحكمة وهي: علم الطب والجراحة والتشريح وفن الفسيولوجيا ومعرفة داء الإنسان من حاله، وسياسة الصحة لحفظها، وتطبيب الحيوانات وغير ذلك
.
والحكماء في باريس كثيرون جدًا، و الطرق مملوءة من الحكماء
هناك مرضى تطلب الحكماء لزياراتهم وهناك من يقصدون بيت الطبيب في أوقات محددة وهناك مرضى يذهبون للإقامة في بيوت الصحة لفترة محددة ( علاج فندقي) وكل شيء له ثمن محدد يدفعه المريض
وهناك أطباء للأطراف الصناعية من المعدن أو الخشب كما يعالجون الأحديداب
هناك بيوت مجهزة للولادة و وتقضي الوالدات فيها مدة النفاس تحت رعاية القوابل و العادة أيضًا في باريس أن المرأة يولدها رجل حكيم عارف بأمور الولادة
.
وتوجد أيضا المارستانات العامة، فيدخلها المرضى للعلاج والإقامة مجاناً
هناك أطباء عموميين" ممارس عام " وهناك أطباء متخصصون (لخصوص مرض الرئة، وأطباء لمرض العين تسمى: «المحلاتية» وأطباء لأمراض الأذنين، وأطباء لداء الأنف وتجبيره، حتى إن من أطباء الأنف من يمكنه بالحيلة أن يرجع الأنف المجدوع صحيحًا ) و حكماء لخصوص مداواة خلل العقل، أو لألم أعضاء التناسل، أو الحصوة، ولخصوص الأمراض الجلية المنفرة وغيرها؛ كالجذام والجرب
.
وفي باريس أطباء تستعمل جاذبية المغناطيس الإنسانية ويعني ذلك زعم جماعة من الطبائعية أن بدن الإنسان يشتمل على مادة سيالية، يعني جاذبية المغناطيس الإنسانية وتحصل هذه بتقريب اليد عدة مرات كالمسح، فينعس الإنسان، أو تغيب حواسه، حتى لا يحس شيئًا، فإذا غاب وكان مريضًا بمرض شديد عالجه الحكماء بقطع شيء أو بفتح شيء من بدنه من غير أن يشعر بشيء أبدًا والمغناطيسية نافعة لمعالجة الأمراض العصبية
وحكماء لمعالجة " المياه البيضاء " وبها حكماء لأوجاع الصدر وداء الفالج الذي هو شلل بعض الأعضاء، فيداوونه بعلاج يسمى
: «الإكمبكتور "الوخز بالإبر"  Acupuncture » ‏ ( يعني شكات دبابيس كثيرة دقيقة، فيخرجون بذلك شيئًا من الدم، ينفع لتخفيف ضرر هذا الداء)
وبها حكماء لعلاج اختلال خلقة الإنسان، وهذا العلاج يسمى: «الأرتوبيدي
L’orthopédie. » يعني فن إصلاح خلل أعضاء الأطفال، فمن الحكماء من يصلح خلل الفم أو الوجه، ومنهم من يشتغل بتدبير الأعضاء الناقصة لسد خللها بأعضاء أخرى مدبرة
و فروع العلوم الطبية كثيرة منها فن التشريح، وفن تمييز أمراض الإنسان من حال طبيعته، وفن الكيمياء العقاقيرية، وفن أسباب الأمراض الباطنية الطبية، وعلم الجراحة الطبية، ووضع العصابة على الجراح، والتضميد بالمراهم، وفن تطبيب ملازم الفراش المبتلى بأمراض ظاهرية، وفن تطبيب ملازم الفراش المبتلى بأمراض باطنية، وفن معالجة النفساء، وتوليد الحامل، وعلم الطبيعة التي تدخل الطب، وعلم العقاقير والأدوية المفردة أو المركبة، وصناعة المعاجلة ومباشرة المريض
ومدارس الحكمة بمدينة باريس منافعها شهيرة؛ فمنها مدرسة كبيرة تسمى «أكدمة الحكمة الملكية " أكاديمية"» وهي ديوان الحكماء السلطانية وهي مجعولة لحاجة المملكة الفرنسية، ومباشرة الأمراض العامة الضرر، كالأمراض الوبائية، والأمراض التي يعتقد الفرنساوية أنها معدية، وكمرض فصل البهائم
.
ومن وظيفة علماء «أكدمة الحكمة» معالجة سائر الناس بما تجعله المملكة موقوفًا على النفع العام، كإشهار تلقيح البقري، لإخراج الجدري، وامتحان الأدوية الجديدة، والأدوية المكتومة، وامتحان الأدوية المعدنية الأصلية أو المصطنعة، لإدخالها في الأدوية، وبالجملة فأهل هذه الجمعية الملكية هم أعظم الحكماء الفرنساوية
نصيحة الطبيب
في وصية صحاح البدن
رغم نفع الأطباء فالأولى الاستغناء عنهم ؛  والوقاية خير من العلاج
والدواء المجرَّب لمنع الاحتياج إليه هو اعتياد الكد والقناعة، ولنذكر لك بعض أمور أُخر:
لا تسكن الدور التي في الأماكن الرطبة فهي مضرة للصحة؛ فالعافية ولو كانت قوية تذهب فيهما على تداول الأيام.
من المهم رفع أرضية المنزل وجعل منافذ الهواء تسمح بتجديد الهواء
الهواء المخزون يجلب الحمَّى المحرقة، فوسع نوافذك ليسهل فيها دخول الهواء والنور، وافتحها في غالب الأحيان؛ لأن البرد للصحة أوفق من الحر، فأهل الجانب الشمالي حياتهم وصحتهم أبرك من أهل الجنوب، والمريض يشفى في غرفة مفتوحة لسائر الرياح ، وربما هلك لو كان بجانب الحرارة.
تجنب بركة الماء الراكد فإنه يتصاعد منها أبخرة لا تناسب الصحة، بل تؤذيها أو ربما قتلت
تجنب السُّكْر فنصيب من ينهمك على شرب الخمور وغيرها من المسكرات أن يصاب بداء الذبول وبقصر الأجل.
من أسباب الأمراض اختلاف الزمن؛ كتعاقب الحر والبرد فأولى ما يطرد هذه الأمراض أن تلبس أثواب الشتاء قبل فراغ الخريف، ولا تعجل خلعها عند دخول الربيع
احذر إذا اشتد حرك أن تمكث في موضع بارد أو تشرب ماء شديد البرودة، وإلا فالعرق ينحبس حالاً ويتداخل في الباطن، ويتسبب عن ذلك داء الخناق وورم الصدر والقولنج المحرق وغير ذلك
 فإذا نفذ القضاء وابتلي بأحدها، فالواجب تداركه لعله يخف، فأول ما تحس بمبادئ العلامات، فضع القدمين في ماء هين الحرارة، وطرِّ بالماء الفاتر ظاهر المتألم من الحلق أو الصدر أو البطن، واحتقن بالماء الفاتر المخلوط بيسير اللبن وتعاطَ (الشوربة) التي صورتها أن تأخذ قبضة من زهر «الخمان» وتضعها في إناء خزف مع أوقية ونصف من جيد الخل ورش على الجميع قدح ماء مغلي وغط الإناء ودعها تبرد، فمتى بردت هذه (الشوربة) فصفها بخرقة وذوب فيها أوقيتين من العسل، فإذا فعلت ذلك فقد غنمت ما حرمت منه الطبيب من الدراهم، فإن ما تعطيه له منها ذاهب عن يدك، وربما كان ذلك الطبيب لا يفيدك في هذا الداء شيئًا.
الدلالة على ما يصنع حين يأخذ المرض في الظهور

عندما تبدأ الحمى أو القيء لا تحاول وضع المريض تحت الأغطية الثقيلة أو تسقيه شوربة الخضراوات الحارة أو المرق الساخن أو الخمر بزعم أن ذلك يسبب التعرق وفيه الشفاء
ولكن حاجة المريض الى الهواء كحاجة السمك للماء والأغطية الثقيلة تمنع الهواء والشراب الحار يزيد حرارة المريض أما الخمر فهو سم حقيقي في الحمى
الحقيقة المقررة عند أكابر الأطباء أن المريض الذي به خميرة المعدة كلما أعطوه من الأغذية زاد ضعفه، وهذه الأغذية إذا انفسدت بالأخلاط المعفونة التي تختلط معها في الجوف تنقلب مرضًا جديدًا ففي كل عشرين مريضًا يموتون في الأرياف فأكثر من الثلثين يمكن أنه كان يشفى بلا شيء لو كان في موضع مستور من مضار الرياح، وكان لا يشرب إلا ماء مبردًا
 وأغلب الأمراض الحادة والحميَّات يتقدمها أيام تشويش كيسير الخدر، وقلة النشاط وعدم شهيَّة الأكل، ويسير ثقل المعدة والتعب، وثقل الرأس والنعاس الثقيل، عديم الراحة غير المصلح القوي، بل وثقل الصدر والميل إلى البرودة وتيسر العرق غير المعتاد وانقطاع العرق المعتاد،
 وعند ذلك يتيسر تدارك أو تخفيف هذه الأمراض المضرة
بترك سائر الأشغال الشاقة والمداومة على الأشغال الهينة
تقليل أكل المغذيات أو اجتنابها، لا سيما ترك اللحم والمرق والبيض والنبيذ
إكثار الشرب يعني أن يشرب كل يوم قزازة فأكثر في كل نصف ساعة طاسة من الشربة الباردة أو من الماء الفاتر المخلوط في كل قزازة إما بخمس عشرة أو بعشرين حبة من الملح المعتاد أو بفنجان خل أو بملاعق من العسل
الاحتقان " الغرغرة" بماء فاتر أو بهذا الدواء وهو أن تأخذ قبضتين من الحشائش أو من زهر الخبازي وتغمرهما وترش عليهما نصف (قزازة) ماء مغلي وتصفيها بخرقة وتضيف عليهما أوقية عسل.
ما يصنع حين ظهور المرض
ينبغي للمريض إذا تلبس بالبرودة، أو القيء أو الألم أن يلزم الفراش والجلوس، وأن يتغطى زيادة عن عادته، وأن يشرب في كل ربع ساعة فنجانًا من مسخن (الشوربة) السابقة، فلا باس بتغطية المرضى حال بردهم، و تخفيف الغطاء بزوال البرودة
ثم إن بعض أهالي القرى يعتادون النوم على طراحة مكبوسة ريشًا، ويتغطون بغطاء ثقيل من الزغب، والحر الصادر عن الريش هو خطر على المحمومين، لكن لما اعتيد على ذلك يمكن اغتفار هذه العادة في بعض الأحيان، إلا في مدة الحر واشتداد الحمى، فليتخذ للنوم طراحات مكبوسة بالقش، وللغطاء ملاحف أو أكسية أقل خطرًا من الريش، فهذا هو ما يريح المريض.
وينبغي الحذر من تسخين هواء محل المريض، ومن كثرة الناس، واللغط، ومن الكلام معه إلا على قدر الحاجة، وينبغي فتح طيقانه، وأقله ربع ساعة في النهار، وربع ساعة بالليل، وينبغي مع فتح الطيقان فتح باب الغرفة ليتجدد الهواء، ولكن لإبعاد المريض عن جريان الأهوية فلتسحب عليه ستائر فراشه، أو ليحجب عن الهواء بكيفية أخرى، وفي زمن الحمر ينبغي إبقاء طاقة من الطيقان مفتوحة
ويحسن أيضًا تبخير غرفته بخل مطفى فوق نحو مجرفة حديد محماة
وينبغي في الهجير، والمريض متعب بالهواء الحار، أن يرش بلاط غرفته، وأن يوضع فيها فروع غليظة من شجر الصفصاف ونحوه، تغمس في إناء فيه ماء، لتكون مسقية
وليجتنب المريض تناول الأطعمة المغذية، ولا يأكل إلا يسيرًا من خفيف الثريد المنضج أو الأرز المطبوخ بالماء مع يسير من الملح
 ولا بأس في الصيف بالأثمار المستوية في الشتاء بالتفاح المنضج، أو البرقوق والأجاص، بعد تيبسهما وطبخهما، فهذه الأثمار إذا أكلت بلا إكثار منها تروى وتبرد وتصلح الصفراء المنفسدة الحارة؛ فهي الأغذية اللائقة المحموم، واستعمل الشراب الرطب، والمبرد الذي ذكرناه سابقًا، ولا بأس أيضًا أن تضع في نحو (قزازة الماء) طاسة من عصير الفواكه التي ذكرناها
وينبغي للمريض أن يشرب كل يوم (قزازتين) من ماء فأكثر وأن يتناول في المرة يسيرًا، ففي كل ربع ساعة يشرب فنجانًا ما لم ينم، واللائق أن يكون الشراب غير شديد البرودة، ففي اعتدال الزمن يكون في مزاج طراوة نسيم
ولو امتنع المريض من حاجة الإنسان جملة أيام " الأمساك"، أو لم يبل بكثرة أو خرج بوله أحمر، أو خلط  في كلامه، أو كانت (حمته) قوية، أو كان وجع رأسه أو كليته شديدًا أو كانت بطنه متألمة، أو كان محتاجًا كثيرًا إلى النوم فليحتقن كل يوم مرة بالحقنة المركبة مما سبق ذكره في المادة الثانية، فالاحتقان شفاء المحموم إلا إذا حدث للمريض العرق النافع فلا يحتقن
وإذا خف المرض فينبغي الخروج من الفراش في اليوم ساعة فأكثر، كما يمكنه، ولكنه لا أقل من نصف ساعة، ولا ينبغي ترك فراشه وهو متلبس بالعرق
ومن المستحسن تصليح فراشه كل يوم، وتغيير ما على بدنه كل يومين، إذا تيسر ذلك، ومن الضرر البيِّن الحكم بخلاف ذلك. اعتقاد أنه يخشى على المريض من خروجه من فراشه، فيتركه في ثيابه المتسخة، وهذه الثياب لا تقتصر في أضرارها على إبقاء أصل المرض فقط، بل تقويه، (ولو) قيل، إن المريض تعبان جدًا، وهذه حجة عاطلة ولو سلم أن استعمال ذلك يتعبه درجة، فإنه يزيد ما بقي من قوته، ويسرع تخفيف ألمه
في معالجة الناقِه " النقاهة"
الأغذية الخفيفة أثناء الحمى وبعد ذهاب الحمى يتناول غيرها كقليل من اللحم الطري، أو السمك، أو المرقة أو البيض هين النضج ، بشرط عدم الإكثار فيها
المعدة الضعيفة من المرض ليست متأهلة إلا ليسير الهضم، فلو أعطيتها فوق ما في قوتها لم ينهضم سائر ما يدخل فيها، بل ينفسد، وقوام البدن إنما هو بما تهضمه المعدة لا بما يصل إليها فقط
 فينبغي للناقِه أن يكون كالمريض في تناوله قليلاً في كل مرة، وأن لا يتعاطى في المرة إلا جنسًا واحدًا من الأطعمة، وأن لا يكثر من تغيير الأطعمة، وأن لا يستعجل في مضغ ما يتناوله من الجوامد، وأن لا يكثر من الشرب
 وخير الشراب هو الماء المخلوط بشيء من الأنبذة. وها قد عاد الطهطاوي الى الخمور وقد قال في أول الكلام أنها سم
واليَسر قدر الطاقة ماشيًا أو راكبًا عربة أو فرسًا، ومن العبث ترك ركوب الخيل في هذه الحالة لمن يملك الخيل، كأغلب أهل الأرياف ويكون ذلك بعد تناول الطعام لتقوية الهضم ، أما السير قبل الأكل فهو ربا يضر الهضم
وليتناول من قام من المرض يسيرًا من الطعام في المساء؛ لأن النوم أريح وأصح له من الأكل، ولا يضره عدم قضاء الحاجة كل يوم، نعم إذا جاوز يومين من غير خروج شيء فليحتقن ثالث يوم ( حقنة شرجية؟؟؟ ) أو قبله إن علم أن قبض بطنه تتولد عنه الحرارة، أو الانتفاخ، أو ضيق الصدر، أو وجع الرأس
عدم العودة السريعة الى العمل فالاستعجال على الشغل قبل أوانه يعقبه من الخسارة زيادة على ما يؤمل كسبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق