الحلقة 25
فوائد وبروتوكولات وقواعد الرقص وآدابه وأصوله عند الطهطاويوقد قلنا إن الرقص عندهم فن من الفنون، وقد أشار إليه المسعودي في تاريخه المسمى: «مروج الذهب» فهو نظير المصارعة في موازنة الأعضاء ودفع قوى بعضها إلى بعض، فليس كل قوي يعرف المصارعة، بل قد يغلبه ضعيف البنية بوساطة الحيل المقررة عندهم، وما كل راقص يقدر على دقائق حركات الأعضاء، وظهر أن الرقص والمصارعة مرجعهما شيء واحد يعرف بالتأمل، ويتعلق بالرقص في فرنسا كل الناس، وكأنه نوع من العياقة والشلبنة لا من الفسق
فلذلك كان دائمًا غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر، فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهييج الشهوات، وأما في باريس فإنه نمط مخصوص لا يشم منه رائحة العهر أبدًا، وكل إنسان يعزم امراة يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية، وهكذا، وسواء كان يعرفها أو لا، وتفرح النساء بكثرة الراغبين في الرقص معهنّ، ولا يكفيهن واحد ولا اثنان، بل يحببن رؤية كثير من الناس يرقصن معهن لسآمة أنفسهن من التعلق بشيء واحد، كما قال الشاعر:
أيا من ليس يرضيها خليل ولا ألفا خليل كل عام
أراك بقية من قوم موسى فهم لا يصبرون على طعام
وقد يقع في الرقص رقصة مخصوصة؛ بأن يرقص الإنسان ويده في خاصرة من ترقص معه، وأغلب الأوقات يمسكها بيده، وبالجملة فمسُّ المرأة أيّامّا كانت في الجهة العليا من البدن غير عيب عند هؤلاء النصارى، وكلما حسن خطاب الرجل مع النساء، ومدحهن عد هذا من الأدب، وصاحبة البيت تحيي أهل المجلس
) أي أن مولانا الطهطاوي يجد الرقص الفرنسي نوعا من الرياضة وليس فيه ما يثير الغرائز بينما الرقص في مصر يثير الغرائز )
ومن النزه: المواسم العامة التي تصنع في الصيف، ومبناها على الرقص والآلات، وتسبيب البارود، ونحو ذلك
(( ومن المواسم العامة عندهم أيام تسمى أيام (الكرنوال) وهي عدة أيام تسبق الصيام عندهم يرخص لسائر الناس فيها سائر التقليدات والتشكلات" الأزياء التنكرية" فيتشكل الرجل بشكل امرأة، والمرأة في صورة رجل، ويتراءى (الخواجة) في صورة راع ونحو ذلك، وبالجملة فيباح سائر ما لا يضر براحة المملكة وانتظامها ويقول الفرنساوية إن هذه الأيام أيام جنون ))
"كرنفال أو عيد المَرفَع أو أيام الرفاع أو الكزيرة: Carnival هو إحتفال ومسيرات رقص وغناء ولهو وإستعراض شعبي، يجمع بين السيرك والاحتفالات الشعبيّة التي تجوب الشوارع، وعادًة ما تكون هذه الاستعراضات في موسم الكرنفال"
هل كان الطهطاوي يشارك في هذه الإحتفالات ؟
ومن المتفق عليه عدم جواز المشاركة بمثل هذه الاحتفالات لعدة امور: اولا: انهـا اعيـــاد لغير المسلمين، ولا يجوز المشاركة في أعيادهم لأنه من التشبه بهم، والمتابعة لهم على دينهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما قال صلى الله عليه وسلم.
ومن منتزهات باريس الحدائق العظيمة العامة؛ ففي باريس نحو أربعة بساتين كبرى يتماشى فيها العام والخاص، فمنها
حديقة (التوليري the Jardin des Tuileries) التي بها قصر الملك، وهي من أعظم المنتزهات، يدخلها المتجملون من الناس، ويحجز الأسافل من دخولها
ومنها حديقة تسمى «الشمزليزه Chemps-Elysées. » الشانزلزيه ومعناه بالعربية: رياض الجنة، وهي من أرق المنتزهات وأنضرها، " الآن هي شارع الشانزليزيه Avenue des Champs-Élysées" وهو أشهر شوارع باريس وطوله نحو 2 كم
وهي بستان عظيم يبلغ نحو أربعين فدان، ومع أن طول طريقها نحو ألف قامة
وفي هذه الروضة العظيمة دائمًا شيء من الملاهي لا يمكن حصره، وسائر أشجار هذا البستان متصافة، متوازية بعضها مع بعض،
وهذه الحديقة يتصل أحد جوانبها بنهر السين، وبينها وبينه رصيف، وبجانبها الآخر بيوت بأطراف الخلاء، وفيها كثير من القهاوي (الرسطواطورات)، يعني بيوت الأكل وفيها سائر أنواع الطعام والشراب
وهي مجمع الأحباب والأكابر، وبها كثير من المرامح للخيل، ويدخل فيها الأكابر بالعربات المزينة، وفيها عدة آلاف من الكراسي بالأجرة، يجلس عليها في زمن الربيع نهارًا وفي زمن الصيف ليلاً، وأعظم اجتماع الناس فيها يوم الأحد، فإنه يوم البطالة عند الفرنساوية
وبالجملة فهذه الحديقة محل المواسم والأفراح العامة والزينات، وبها تتماشى سائر النساء الجميلات
ومن المتنزهات المحال المسماة «البلوار»، وهي الأشجار المتصافة المتوازية، وهي محل يتماشى فيها سائر الناس، في سائر الأيام، وفيه أعظم قهاوي باريس، وتدور فيه الآلاتية المتنقلون بآلاتهم، وفيه كثير من محال (التياترات)
وبه أيضًا تدور النساء اللواتي يتعرفن بالرجال، سيِّما بالليل، فهو في جميع الليالي، وفي ليلة الاثنين، يحوي كثيرًا من الناس، فترى فيه كل عاشق مع معشوقته، ذراعه في ذراعها إلى نصف الليل
ويستشهد الطهطاوي بشعر عبد الله بن محمد المعتز بن المتوكل بن المعتصم العباسي
لا تَلقَ إِلّا بِلَيلٍ مِن تَواصُلُهُ فَالشَمسُ نَمّامَةٌ وَاللَيلُ قَوّادُ
كَم عاشِقٍ وَظَلامُ اللَيلِ يَستُرُهُ لاقى أَحِبَّتَهُ وَالناسُ رُقّادُ
ويستشهد بشعر ابن رشيق القيرواني الأزدي
أَيُّها اللّيْلُ طُلْ بِغَيْرِ جَناحِ لَيْسَ لِلْعَيْنِ راحَةٌ في الصَّباحِ
كَيفَ لا أبغِضُ الصّباحَ وَفَيهِ بانَ عَنّي عني أولو الوجوه المِلاحِ
ولا يمدح الليل إذا من ترقب فيه وصال محبوبه، وتفقد فيه نيل مطلوبه، بخلاف من كثر فيه حرقه، وزاد أرقه، وطال سهاده، وطار رقاده، فإنه يهوى الصباح؛ ليذهب همه ويرتاح ويستشهد بشعر امرؤ القيس
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ:
وقال آخر:" عجزت عن معرفته"
ليلَى وليلي نفى نومي اختلافهما بالطَّوْل والطُّول، يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت بالطَّول ليلى، وإن جادت به بخلا
ووجدت تشطيرهما لبطرس كرامة هكذا
ليلي وليلي نفى نومي اختلافهما على عذاب فؤادي حل أو رحلا
وقد شجا كبدي الحرى افتراقهما بالطول والطول يا طوبي لو اعتدلا
يجد بالطول ليلي كلما بخلت حوادث الحب ان تستعطف الأملا
وجاد بالطول مذ ضنت بلا سببٍ بالطول ليلى وإن جادت به بخلا
وقد وجدت مؤيد الدولة الطغرائي يقول
ليلي وليلي نفي نومي اختلافهما ... حتى لقد صيراني في الهوى مثلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت ... بالوصل ليلي وإن جادت به بخلا
وقال الحفيد ابن زهر الأندلسي يشكو من الليل:
يا لَيلُ طُل أَو لا تَطول لا بُدَّ لي أَن أَسهَرَك
لَو باتَ عِندي قَمَري ما بِتُّ أَرعى قَمَرَك
وقال بهاء الدين زهير مثله:
يا لَيلُ طُل ياشَوقُ دُم إِنّي عَلى الحالَينِ صابِر
لِيَ فيكَ أَجرُ مُجاهِدٍ إِن صَحَّ أَنَّ اللَيلَ كافِر
وهذا أيضًا من باب الشكوى
ومن المنتزهات أيضًا سوق تباع فيه الأزهار، وفي هذا السوق تجد سائر الأشجار والنباتات والأزهار الغريبة النادرة ولو في غير أوانها، حتى إن الإنسان يمكنه أن يجدد بستانًا في يوم واحد بأن يشتري سائر ما يحتاج، ثم يزرعه في يوم، وبالجملة فلا يمكن أن الإنسان يتمتع بهذه المتنزهات إلا بصحة البدن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق