الأحد، 28 يوليو 2024

 حلقة 62 من المنهج الوافي في رحلة الطهطاوي

رأي السان سيمونيين في محمد علي
هو الرجل القادم من هوامش الدولة العثمانية بثقافة تركية بحكم النشأة ، وهو غريب عن مصر أقرب الى المحتل ، تاجر نبغ وضابط مقاتل ، اراد إحتلال الأرض والثراء عبر التجارة مع الغرب وهو آخر المماليك
كان يستند في إستمراره على نخبة أرستوقراطية تركية الإنتماء من ( الأتراك والشركس والجوجيين واليونان والأرمن وغيرهم ) مع أرستوقراطيين من أقباط مصر ، أفرط في الإستبداد في مسيرته نحو الإستقلال وراح مئات الألوف من الفلاحين ضحايا طموحاته
كانت سياسته الصحية التي كلف كلوت بك بتنفيذها ( بهدف زيادة السكان لتوفير الجند والأيدي العاملة )
وكان كلوت بك يعترف بأن محمد علي غالبا ما ضحى بمشاعره الإنسانية من أجل طموحه للبقاء على السلطة
نظر المصريون المحتجزون للعمل بالمصانع إلى العصر الصناعي بإعتباره وباءً جديدا مكافئا للتجنيد وممتد الى النساء والأطفال
ورأي السيمونيون في نفس الوقت أن محمد على يحقق مذهبهم بدولة عمادها المهندسون وتملكه لكل وسائل الإنتاج وتعبئة الشعب للمصلحة العامة ولكن لم يحقق هدفهم الأساسي بل كان ضده "قناة السويس "
كانت علاقات الباشا بأوربا متناقضة وكان توقف العمل في القناطر بالتوازي مع إنشاء ديوان التعليم العام تعبيراً عن ذلك
كان محمد على يقيس صعوبة أي مشروع بعدد الفلاحين المطلوبين لتنفيذه ، ويقول المهندس لينان أن محمد علي أرسله ليختار أحد أهرامات الجيزة لهدمه من أدل توفير حجارة القناطر 
--------------
رأى أنفانتان أن الجمع بين النظام الأوروبي المتحرر جزئيا من التعقيدات الورقية وبين سمات العرب ( المثابرة والعمل الدؤوب  و سرعة التنفيذ ) تكفل وجود نمط حقيقي للعمل الصناعي ويقول "بالإضافة الى ما يشكل المهندس توجد خامة هندسية كثيرة لدى العرب الجهلاء أكثرمن العلماء الفرنسيون  ، وإذا كان نابليون يمتلك عبقرية حربية وإستراتيجية فإن العرب يمتلكون عيناً عسكرية ثاقبة
-------------
تفشى الطاعون بمصر في يناير 1835م وتم تشتيت العمال خوفا منه بعد أن قتل معظم السيمونيين في القناطر وهرب أنفانتان الى الصعيد عام 1836م وتوقف العمل في الموقع وتم ترك الموقع عام 1837م
ولم يكن الموت هو الخطر الوحيد الذي واجه اتباع السان سيمونيين
في مصر، بل تخلى اثنين منهم عن الكاثوليكية واعتنقوا الإسلام. وكان ذلك موضع سخرية من محمد علي، وقد عبر عن شماتته في جماعه سان سيمون، الذين دخلوا إلى مصر لتحويل المسلمين عن دينهم، فإذا باثنين منهم يتحولان إلى الإسلام.
بعد يأس إنفانتان من محمد على رأى  ( إمكانية وضع مصر تخت الوصاية الأوروبية المؤقتة بعد نزهة عسكرية بهدف القضاء على الهيمنة التركية وأن الإحتلال يجب أن يكون أنجلو- ساكسوني ) " ص 112" من الكتاب
ورأي أن جيش الإحتلال ( وسيلة شرطية تضمن للمواطنين وللمستعمرين الأجانب الحرية والنظام وتترك لأهل البلد العدالة المدنية والإدارة التجارية ) الصفحة السابقة
نقل مختار بك الى لامبير تكليف محمد علي له بالتمهيد لإنشاء خط سكة حديد لنقل الحجارة من طرة الى القناطر ووافق الباشا على مسار الخط في ديسمبر 1836م وتم تكليف مصطفى بك والمهندس برونو بتنفيذ الخط وأعاد لامبير الحسابات لمراعاة إتساع النيل بعد إنشاء القناطر وتم منح لينان عقد الثقة للتنفيذ وأمر إبراهيم باشا في 7 مارس 1837م بتدشين العمل والإستعانة بالجيش وعدم اللجوء للسخرة ولكن بعد شهرين حدث إنهيار لكل الخطط
إتبع محمد علي سياسة تقشفية قاسية بسبب نقص الأموال والحروب ونقص العمال مع الطاعون وكان قد توقف صرف الرواتب من سبتمبر 1835م وفي مايو 1837م ظلت مرتبات الموظفين والأجانب خاصة متوقفة 11 شهر وتم تعيين مختار بك ناظرا للجهادية فقرر إنشاء مدرسة للمحاسبين تحت مسؤلية إستيفان أفندي وإقترح باغوص بك رئيس الأقباط إلحاق 200 من طائفته بهذه المدرسة
غضب الباشا على أدهم بك وأمر بمحاسبته فقد أقحم أدهم بك السان سيمونيين في مشروع القناطر وتم إلغاء الإعانة التى يتلقاها إنفانتان وقدرها 750 قرشا شهريا بسبب تركه العمل وهروبه الى الصعيد
وكانت موجة من تصاعد كراهية الأجانب وطالت حتى سليمان باشا لصداقته لإنفانتان ودعمه للقادمين من الخارج بتوصية إنفانتان وكذا علاقة سليمان باشا الحميمة والمكشوفة التي تتعدى الصداقة مع كلوريندي روجيه
clorinde tajan-rogé مؤسسة حركة " نساء الأم " تم تسمية كلوريندي تاجان- روجي في كثير من الأحيان باسمها الأول "كلوريندي" فقط، بعد تأسيسها للحركة  وكانت منخرطة في ممارسات الحب "الجديد"، أي "غير الحصري"
عملت في البداية كمعلمة لأطفال السيد بونفورت
d’un certain M. Bonfort (وكيل إبراهيم باشا)، وحصلت، على تصريح من محمد علي لفتح مؤسسة عامة للتعليم الابتدائي للفتيات على نفقة الدولة المصرية (بنات البلد أو عرب أو أتراك أو عبيد) واضطرت كلوريندي إلى الموافقة على البقاء ضمن إطار الحريم وإنشاء مدرستها مع "العقيد سيف colonel  Sèves" ولكن الفضيحة التي أثارتها علاقتها المعلنة مع سليمان باشا  " العقيد سيف لم تسمح للتجربة بالتطور غادرت كلوريندي مصر في عام 1838م مع  زوجها روجيه وإبنهما
----------------
تسارعت الإشاعات عن الممارسات الغير أخلاقية عن السيمونيين وسمع محمد علي من المحيطين به أن السيمونيين أذاعوا في أوربا أنهم يحركون جميع الاعمال في مصر وإمتد التشكيك الى مشروع القناطر فأمر محمد علي في 11 ربيع الآخر 1254هـ / 4 يوليو 1838م بإعداد دراسة جدوى جديدة وتكونت لجنة برئاسة مختار بك من (العرب والترك والأرمن ) ومهندسين فرنسيين وانجليز ، ورأت اللجنة ان المشروع يغطي تكاليفه في 3 سنوات ومن أبرز ما فيه زيادة الرقعة الزراعية بنحو مليون ونصف فدان وزيادة كميات المياه في ترعة المحمودية والأستغناء عن عدد كبير من السواقي وألات رفع المياه وبالتالي توفير الحيوانات والأنفار التي ترعاها ، وعرضت اللجنة التقرير ولكن محمد على قال أنه لم يعد يرغب في بناء القناطر وقبلها قام بعزل لينان باشا كبير مهندسين الأشعال العامة والذي عاد بعد ضغط كبير من قنصل فرنسا ، ولينان كان ضابطا بحريا شغوف بالجرافيا وساح في الشرق  منذ 1817م ثم الإستكشاف بجنوب مصر ودخل في خدمة محمد علي عام 1831م كمهندس ري الصعيد ولم يكن من السان سيمونين ولكن من أنصارهم وفي نفس الوقت أيد استخدام السخرة في الأشغال العامة
كان محمد على يشعر بالإحباط لرفض فرنسا تدعيم موقفه في الإستقلال عن الدولة العثمانية
إطمأن محمد على عام 1842م على توريث إبنه ابراهيم الحكم وكانت الحروب قد إنتهت فعاد محمد على وقرر تنفيذ المشروع و كلف به المهندس موجل الذي تسلم من لينان جميع الرسومات والتصاميم ، ولكن إختار موجيل موقعا آخر وحلولا تقنية أخري
فقد كان موجيل مؤهلا علميا أكثر من لينان ، وأرسل التعديلات الى مجلس الطرق والكباري في باريس
وضع محمد علي حجر الأساس للقناطر في عام 1847م في حفل ضم القناصل الأجنبية ومجلس الإدارة ومعهم لامبير
نقل موجل موقع القناطر الى جزيرة شلقان وإختار إقامتها في مجرى النهر وليس على الأرض اليابسة ثم تحويل النيل اليها كما كان يريد لينان ، وقام موجل بإستقدام عمال ومهندسين وآلات من أوروبا
تمت تنحية موجل بك عن الإشراف على القناطر عام 1853م وتم تكليف مظهربك بالإشراف عليها فقد كانت القناطر معبرا إستراتيجيا للعبور بين شرق وغرب الدلتا كما كانت تعمل كحصن لحماية شمال القاهرة
تم تكليف لينان بشق الترع الجديدة وحاول جهده عدم تكرار المآسي التي صاحبت حفر ترعة المحمودية
-----------
كتب شارل لامبير عام 1262هـ / 1846م في تقريره عن مدرسة المهندسخانة في بولاق أن هدف إنشاء مدارس أوروبية في مصر هو دفع وتحفيذ الأهالي الى المشاركة في المشروعات العمومية (الترع والكباري والمناجم ) و وضع مقاليد العلم والصناعة في أيديهم

لقد حاول السان سيمونيون التكيف والنفاذ الى قلب المجتمع المصري حين إختاروا الأزياء المصرية واللغة العربية وتظاهروا بالسلوكيات الدينية الإسلامية بل منهم فعلا من تظاهر بإعتناق الأسلام وإتخذ اسماء المسلمين  
قالوا أنهم يريدون تحسين أوضاع المرأة وتحسين الحالة الصحية العامة للشعب ونقل العلوم الصحية والطبيىة إليه كما قالوا أنهم يريدون تحديث الممارسات الزراعية وإدخال التقنيات الحديثة إليه مع تعريف الأهالي بالفنون المختلفة مثل الموسيقى والرسم والنحت ، وظل السان سيمونيون نحو20 عاما في مصر بعد رحيل زعيمهم إنفاتان
ربما نجحوا في توطيد أواصر المحبة والصداقة مع الأهالي ولكن صعب عليهم الإندماج و تخطي الحاجز الديني
فمثلا إنفانتان تعلم قرأة وكتابة القرآن الكريم وأقلع عن الكحوليات في الصعيد
بيرون
Nicolas Perron هو الطبيب الذي استمر في مصر مع كلوت بك بعد أن قتل الطاعون من الأطباء السيمونيين كلا من فوركاد ، دوساب ودولونج وجوزيف ريجو وريموني ورحيل الأطباء الأخرين
وتوماس أوربان
Thomas Urban  من أصول زنجية  فرنسية مختلطة ولدته أمه الزنجية سفاحا وإعتنق الإسلام في 8 مايو 1835م حينما كان يدّرس الفرنسية في المدرسة الحربية في دمياط
وتعلق بحليمة
جارية و زوجة د دوساب Dr Dussap وتعلق بعد موتها بإبنتها هانم وماتت هي الأخرى في الطاعون وأراد أن يكون أول سان سيموني مسلم وأول فرنسي مسلم وأبلغ القنصل برغبته في الإحتفاظ بجنسيته الفرنسية التي لا تقبل الا المسيحيين
كان يقول حتى تزدهر الشجرة العربية مرة أخرى يجب تقليمها لا قطع جذورها
تأثر أوربان بوصية القرآن الكريم في تحرير العبيد ولكنه يرى ( عنصرية التراث الشعبي للشرق حول نشأة الجنس الأسود المستمدة من سفر التكوين )
وندد بسياسة محمد على العبودية في كردفان ودارفور وسنار ، وقدّر عدد البؤساء الذين أنتزعوا من بلادهم بنحو ستين الف ولم يبقى منهم على قيد الحياة سوى خمسة ألاف أو ستة بسبب المعاملة السيئة والحروب
كما ندد بكلوت بك بإعتباره أوحى الى الباشا بالوصايا المشؤمة بنقل نحو عشرة ألاف سيدة سوداء بغية تزويجهن بالعسكر السود للنظام الجديد ومعالجة نقص السكان في مصر بالزيجات الجماعية
وكتب في سبتمبر 1836م لقد قاموا مؤخراَ بترحيل بضعة آلاف من الفتيات الى سوريا لحشود الفلاحين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق