الأحد، 28 يوليو 2024

 الحلقة 24

الفصل السابع من المقالة الثالثة
في منتزهات مدينة باريس
هؤلاء الخلق؛ لا شغل لهم بأمور الطاعات، فإنهم يقضون حياتهم في الأشغال الدنيوية، واللهو، واللعب، ويتفننون في ذلك تفننًا عجيبًا
والملاهي عندهم هي التياترو 
théâtre أي المسرح والسبكتاكل أي دار الأوبرا

وفي الحقيقة أن هذه الألعاب هي جد في صورة هزل، فإن الإنسان يأخذ منها عبرًا عجيبة؛ وذلك لأنه يرى فيها سائر الأعمال الصالحة والسيئة، ومدح الأولى، وذم الثانية
 حتى إن الفرنساوية يقولون: إنها تؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها، فهي وإن كانت مشتملة على المضحكات، فكم فيها من المبكيات،
 ومن المكتوب على الستارة التي ترخى بعد فراغ اللعب ما معناه باللغة العربية "قد تصلح العوائد باللعب
"
وصف المسرح
هو بيوت كبير له قبة عظيمة، وفيه عدة أدوار كل دور له غرفة موضوعة حول القبة من داخله، وفي جانب من البيت يوجد المسرح تُطل عليه سائر هذه الغرف وترى كل ما يحدث على المسرح ، والمسرح تضيئه نجفات عظيمة ، وتحته محل للآلاتية" العازفين"
 وذلك المسرح يتصل بأروقة فيها سائر آلات التمثيل، وسائر ما يصنع من الأشياء التي تظهر، وسائر النساء والرجال الممثلين ثم إنهم يصنعون ذلك المسرح كما تقتضيه التمثيلية
 فإذا أرادوا تقليد سلطان مثلاً في سائر ما وقع منه، وضعوا ذلك المسرح على شكل (سراية) وصوروا ذاته، وأنشدوا أشعاره، وهلم جرا. وأثناء تجهيز المسرح يسدلون الستارة ، ثم يرفعونها ويبتدئون بالتمثيل، والممثلين من النساء والرجال يشبهون العوالم في مصر
والممثلين والممثلات بمدينة باريس أرباب فضل عظيم، وفصاحة، وربما كان لهؤلاء الناس كثير من التآليف الأدبية والأشعار، ولو سمعت ما يحفظه اللاعب من الأشعار وما يبديه من التوريات في اللعب، وما يجاوب به من التنكيت والتبكيت لتعجبت غاية العجب
و يتناولون  أثناء التمثيل مسائل من العلوم الغريبة والمسائل المشكلة ويتعمقون في ذلك حتى يظن أنهم من العلماء
 بل الأولاد الصغار التي تمثل، تذكر شواهد عظيمة من علم الطبيعيات ونحوها
تبدأ المسرحية بعزف موسيقي  ، و يتم الإعلان عن المسرحيات بملصقات على جدران منازل المدينة
((وهذه (السبكتاكلات) يصورون فيها سائر ما يوجد، حتى إنهم قد يصورون فرق البحر لموسى عليه السلام، فيصورون البحر ويجعلونه يتماوج حتى يشبه البحر شبهًا كليًا، وقد رأيت مرة في الليل أنهم ختموا (التياتر) بتصوير شمس وتسييرها، وتنوير (التياتر) بها حتى غلب نور هذه الشمس على نور النجف، حتى كأن الناس في الصباح ))
ولهم أشياء أغرب من هذا، وبالجملة فالمسرح عندهم كالمدرسة العامة، يتعلم فيها العالم والجاهل
أعظم (السبكتاكلات) في مدينة باريس هي «الأوبرا» وفيها أعظم (الآلاتية) وأهل الرقص، وفيها الغناء على الآلات والرقص بإشارات كإشارات الأخرس، تدل على أمور عجيبة
 ومنها (تياتر) تسمى: «كوميك» فيغنى فيها الأشعار المفرحة " المسرح الكوميدي"
وبها «مسرح إيطالي» وبه أعظم (الآلاتية)، وفيها تنشد الأشعار المنظومة باللغة الطليانية، وهذه كلها من (السبكتاكلات) الكبيرة، وفي باريس «سبكتاكلات
» أخرى وهي مثل تلك إلا أنها صغيرة
وهناك أيضًا (سبكتاكلات) يلعبون فيها الخيل والفيلة ونحوها " أي السيرك " وفيها فيل مشهور بالألعاب الغريبة معلم تعليمًا عجيبًا
وكما أن أكبر (التياترات) «الأوبرة» فأصغرها (تياتر) تسمى: تياتر «الكمت» وهي معدة لنزاهة الصغار كالحاوي في مصر «والكمت» اسم معلم هذه السبكتاكل
Spectacles وكل اللاعبين واللاعبات صغار السن، وهذه (التياتر) يوجد بها كثير من (الشعبيثيات) أي ألوان الشعوذة و(السيم ) أي ما يشبه خيال الظل
 ولو لم تشتمل (التياتر) في فرانسا على كثير من النزعات الشيطانية لكانت تعد من الفضائل العظيمة الفائدة، فانظر إلى اللاعبين بها فإنهم يحترزون ما أمكن عن الأمور التي يفتتن بها المخلة بالحياء
 ففرق بعيد بينهم وبين عوالم مصر، وأهل السماع ونحوهم
.
ولا يعرف الطهطاوي اسمًا عربيًا يليق بمعنى (السبكتاكل) أو (التياتر)
 أو
Panorama.  بانوراما هل هي صورة محيطية ؟؟
 
Cosmorama. الكوزموراما عرض لصور منظورية لأماكن أو معالم عالمية مختلفة
 
Diorama. ديوراما هي نسخة طبق الأصل لمشهد أو واقعة وهي عادة ما تكون نموذجًا ثلاثي الأبعاد
 
Uranorama.ربما تعني planetarium أو القبة السماوية لرؤية نمازج الأجرام السماوية
 
L’europeorama اوروبوراما.ربما تعني منظرا عاما لاوروبا  ؟؟؟
ربما يقصد الطهطاوي المعارض الفنية في كلماته السابقة
ومن المتنزهات محال الرقص المسماة «البال» وفيه الغناء والرقص، وقل إن دخلت ليلاً في بيت من بيوت الأكابر إلا وسمعت به الموسيقى والمغنى، ولقد مكثنا مدة لا نفهم لغنائهم معنى أصلاً، لعدم معرفتنا بلسانهم، ولله در من قال في مثل هذا الأمر ( وهو أبو تمام الذي وصف مغنية تغني بالفارسية:  
ولم أفهم معانيها، ولكن شجت كبدي، فلم أجهل شجاها
فكنت كأنني أعمى معَنَّى  يحب الغانيات ولا يراها
و(البال) قسمان: (بال) عام، ويدخله سائر الناس، (كالبال) في القهاوي والبساتين، (وبال)
خاص، وهو أن يدعو الإنسان جماعة للرقص والغناء والنزهة ونحو ذلك؛ كالفرح في مصر، و(البال) دائمًا مشتمل على الرجال والنساء، وفيه وقدات عظيمة، وكراسيّ للجلوس
والغالب أن الجلوس للنساء ولا يجلس أحد من الرجال إلا إذا اكتفت النساء، وإذا دخلت امرأة على أهل المجلس، ولم يكن ثم كرسيّ خال قام لها رجل وأجلسها، ولا تقوم لها امرأة لتجلسها، فالأنثى دائمًا في المجالس معظمة أكثر من الرجل، ثم إن الإنسان إذا دخل بيت صاحبه، فإنه يجب عليه أن يحيي صاحبة البيت قبل صاحبه، ولو كبر مقامه ما أمكن، فدرجته بعد زوجته أو نساء البيت
ومن موقع بوابتي يقول د هاني السباعي (( أقول: نتساءل بدورنا: لماذا ذهبت إلى هذه الملاهي وهذه المسارح وأماكن اللهو والعبث أيها الشيخ الأزهري الوقور؟!
وما الداعي لدخولك بيوت الأكابر والأسافل لتشاركهم في طربهم وغنائهم ورقصهم؟! وما هي الأعمال الصالحة التي يتعلمها مرتادو الملاهي بعد جرعات السموم من رقص وتمثيل وخلاعة؟!
هل نسي أو تناسى الشيخ الطهطاوي أنه رجل أزهري يعلم حرمة التردد على هذه الأماكن؟! ألم يعلم الشيخ رفاعة أن خلطته وجلوسه لأهل الفن واللهو والطرب خارم من خوارم المروءة؟! أكاد أجزم أنه يعلم ذلك جيداً ))

من المنتزهات جمعية الناس، كضمة مصر، إلا أن فيها دائمًا آلات الموسيقى والغناء والرقص، وبين كل نوبة من المسيقى والغناء يقسم على الحاضرين بعض مطعومات ومشروبات خفيفة " الضمة: جماعة يسيرون حول العريس ليلة العرس يغنون ويصفقون"
 وبالجملة فالموسيقى بالأصالة، والشراب الخفيف بالتبعية هما حظ هذه المجالس، كما قال الشاعر:
هل العيش إلا ماء كرم مصفق  ترقرقه في الكأس ماء غمام 
وعود «بنان» حين ساعد شدوه   على نغم الأوتار ناي «زنام»
المصفق: الشراب المحول من إناء إلى آخر ليصفو  ، بنان وزنام: موسيقيان، والشعر للبحتري في الخليفة المتوكل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق