حلقة 48 من المنهج الوافي في رحلة الطهطاوي
ويقول الدكتور عزت عبد الكريم: «على أن تدريس الزراعة لم يُهمل في مصر بعد ذلك؛ فقد أنشئت في نحو سنة 1262هـ / 1846م مدرسةُ إدارة الزراعة كقسم من أقسام مدرسة الألسن، ويتعلم فيها التلاميذُ الإدارةَ الزراعية الخصوصية؛ على أنَّا لا نعلم شيئًا عن هذه المدرسة التي أُنشئت قبل نهاية عصر محمد علي بنحو عامين.» وكان بها مصحِّح وهذا يوحي أن بها مترجمون ولا شكَّ في أن هناك كتبًا في علمي النبات والزراعة تُرجمت في هذا العهد، وفي المدارس الزراعية كما نُرجِّحو تعدَّدت المدارسُ الهندسية أيضاً لحاجة محمد علي إلى المهندسين لمسح الأراضي، وحفر التُّرَع وإنشاء الجسور والقناطر، والمصانع، و إدارتها، ويدرسون طبقات الأرض، ويبحثون عن معادنها، ويتصلون بالجيش، ويبنون له ثكناتِه وطوابيَه واستحكاماته، ويضعون له خُطَطه … إلخ … إلخ ، وكان يغلق المدرسة بعد إنتهاء الحاجة اليها ثم يعيد فتحها وهكذا كانت هناك 5 مدارس للهندسة
«مكتب المهندسخانة» بالقلعة عام ١٢٣١هـ / ١٨١٥م وتعرضنا له من قبل وكان بها ٨٠ تلميذًا، وكان التعليم فيها باللغتين العربية والتركية؛ فقد كان تلاميذُها من أبناء البلد، ومن أبناء مماليك الباشا وهم لا يعرفون العربية و كانوا جميعًا يتعلَّمون اللغة الإيطالية
وبعد نحو أربع سنوات«صدر أمرُ محمد علي إلى كتخدا بك بتعيين الخواجة قسطي مدرسًا بمدرسة تُسمَّى «المهندسخانة» وبأن ينتخب له خمسة أو ستة من التلامذة المتفوقين في الرياضة والرسم من مدرسة القلعة ليقوم بتدريس تلك المواد لهم»
أما ثالثُ مدرسةٍ للهندسة فمن بعض طلبة الأزهر الذين كانوا يدرسون الحساب والهندسة باللغتين العربية والإيطالية في قصر العيني على يد مدرِّس أجنبي اسمه «الخواجة رسام التودري»، وقد تخرَّج فيها اثنا عشر طالبًا في جمادى الآخرة سنة ١٢٤٢ / ١٨٢٦، وعُيِّنوا للقيام بالأعمال الهندسية في الوجه القبلي
أما رابعُ مدرسةٍ للهندسة فقد بدأت في شهر ربيع الثاني سنة ١٢٤٧ هـ/ ١٨٣١م عندما استدعى محمد علي مهندسًا من إنجلترا، وألحق به عشرة من تلاميذ قصر العيني ليتلقَّوا عنه هذا الفن، وقد نُقلت هذه المدرسة بعد سنتين إلى القناطر الخيرية ليسهل على التلامذة مشاهدةُ الأعمال الهندسية عن كثَب، وقد أُلحق بهذه المدرسة بيومي أفندي ليكون مدرِّسًا بها، ومساعدًا لباشمهندس القناطر، وذلك بعد عودته من فرنسا ونبوغه في دراسة العلوم الهندسية وكانوا يتلقَّون علومَهم بالإنجليزية أو مترجمة عنها ثم بالفرنسية عندما عُيِّن بها بيومي أفندي
كانت المدرسة الخامسة في بولاق عام 1250هـ / 1834م ثم ضُمَّت لها مدرسة المهندسين بالقناطر الخيرية ومدرسة المعدنين بمصر القديمة ، ونُظمت مدرسة بولاق على مثال مدرسة الهندسة بباريس، وكانت تُدرَّس بها اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية إلى جانب المواد الرياضية المختلفة وفي أواخر عهد محمد علي أصبحت هيئةُ المدرسين كلها من المصريين الذين تلقَّوا علومَهم الهندسية في فرنسا أو النمسا أو إنجلترا وقام هؤلاء المدرسون والخريجون بترجمة كثير من الكتب الرياضية وقد استلزم قيامُ المدرسة بتعريب دروسها وكتبها تعيينَ مدرِّسين مصريين بها من خريجي مدرسة الألسن لتدريس الفرنسية لتلامذتها، وترجمة دروسها، ووضْع قاموس أزمعت المدرسةُ وضْعَه في العلوم الرياضية
وفي السنوات الأخيرة من عهد محمد علي أُلغيت اللغتان الفارسية والتركية، وحلَّت محلَّهما اللغةُ الفرنسية، وكانت تُدرَّس لجميع التلاميذ في كل الفِرَق ، وأدار المدرسة أرتين بك وخلفه بعد أشهر حكاكيان أفندي ثم المسيو شارل لامبير Charles Lambért، وظلَّ فيها حتى نهاية عصر محمد علي ثم عُيِّن علي مبارك (بك) ناظرًا للمدرسة عام 1849م تم إلغاء المدرسة عام 1854م في عهد الخديوي عباس
أُنشئت في عهد محمد علي مصانعُ كثيرة لصُنْع الأسلحة والذخائر، ونسْج الملابس بمختلف أنواعها، وقد فُتحت في هذا العهد أيضًا مدارسُ صناعية عُهد بتعليم الشبان المصريين فيها إلى معلمين من الأجانب، حتى إذا تلقَّى المصريون أصولَ الصناعة حلُّوا محلَّ الأجانب، كما أُرسلت بعثاتٌ صناعية أيضًا إلى بلاد أوروبا الغربية لتحقيق نفس الغرض، ومنها
مدرسة الكيمياء: أُنشئت سنة 1247هـ / 1831م بمصر القديمة، وكان تلاميذُها القلائل يتعلَّمون فيها الصناعاتِ الكيمائية واللغة الفرنسية، وكان مدرِّسُهم يُسمَّى «إيمو Ayme»، وخلفه مسيو «روشيه»
مدرسة المعادن: أُنشئت سنة 1250هـ / 1834م، وكان ناظرُها الأول مصريًّا اسمه «يوسف كاشف»
مدرسة العمليات أو الفنون والصنائع: وقد أُنشئت 1837م وقد حُولت عام 1844 إلى «ورشة» صناعية، وتولَّى إدارتَها المهندس الإنجليزي «تيلر» ثم خلفه إنجليزي آخر اسمه «مستر جون ماكنتون».
المدارس الحربية والبحرية
مدرسة أسوان
تكلمنا عنها من قبل وأشرف عليها «الكولونيل سيف»، وعاونه عثمان نور الدين بعض الوقت ومعهم نفرٌ من الضباط الإيطاليين
وبعد قليل انتقلت المدرسةُ إلى إسنا ثم إلى إخميم ثم إلى النخيلة (بمديرية أسيوط)، وانتهى بها المطافُ إلى الخانكة وتم إلغائها عام 1836/1837م والإكتفاء بالمدارس الحربية الأخرى: المشاة والفرسان والمدفعية
مدرسة أركان الحرب أنشئت في أكتوبر سنة 1825م بالقرب من القاهرة، وتولَّى إدارتَها وتنظيمها الضابطُ الفرنسي «بلانات Planat»، و معه في التعليم بعضُ المدرسين الشرقيين والغربيين وخاصة الفرنسيين
وكان تلاميذ هذه المدرسة يدرسون اللغات الفرنسية والتركية والفارسية إلى جانب المواد الحربية والرياضية ورسم الخرائط … إلخ.
مدرسة البيادة أُنشئت في الخانكة في سبتمبر 1832م ثم نُقلت إلى دمياط، ثم إلى أبي زعبل عام 1841م وظلَّت قائمة هناك إلى نهاية عصر محمد علي
وكانت تُدرَّس في هذه المدرسة اللغات الثلاث" العربية والفارسية والتركية " ثم زيدت عليها اللغة الفرنسية بعد نقلها إلى أبي زعبل، وكان يقوم بتدريسها مصريٌّ من خريجي الألسن، وكان يُدير هذه المؤسسة في وقت ما ضابط بيدمونتي يدعى بولونيني Bolonini من ضباط جيش نابليون
وقد أُلغيت هذه المدرسةُ في عهد عباس الأول، وسُرِّح تلاميذُها
مدرسة السواري
أُنشئت في الجيزة في ذي القعدة سنة ١٢٤٦ / ١٨٣٠، ونُظمت على مثال مدرسة «سومور» الحربية بفرنسا، وكانت تُدرَّس بها اللغاتُ الثلاث كما كانت تُدرَّس الفرنسيةُ لضباطها ولفريق من تلاميذها
وقد كان تلاميذُ المدرسة أول الأمر من المماليك والأتراك، ثم أخذ العنصر المصري يزداد شيئًا فشيئًا حتى أصبحت المدرسة بعد سنوات كغيرها من المدارس وجلُّ تلاميذِها إن لم يكن كلهم من المصريين
وكان مديرُ المدرسة الأول الضابط الفرنسي فارن Varin، فنظمها على مثال المدارس الحربية الفرنسية، ثم خلفه فرنسيٌّ آخر يُدعى واسيل بك، وقد أُلغيت هذه المدرسة كسابقتها في عهْد عباس الأول.
مدرسة الطوبجية "المدفعية"
أُنشئت في طرة في سنة ١٢٤٧ / ١٨٣١، وقام على إدارتها وتنظيمها ضابطٌ إسباني اسمه الدون أنطونيو دي سيجويرا، وكان معظم تلاميذها عند إنشائها من المصريين والأتراك كما كان بها عددٌ من التلاميذ من جزيرة كريت
وكانت مواد الدراسة تضم المواد الحربية والرياضية مع لغة أجنبية، فالذين يُعَدُّون للخدمة في الأسطول يتعلَّمون الإنجليزية، والذين يُعَدُّون للجيش يتعلَّمون الفرنسية أو الإيطالية، أما اللغة التركية، فكان يتعلَّمها جميعُ التلاميذ على السواء
وكان في المدرسة مطبعةٌ خاصة بها تقوم بطبْع الكتب المؤلفة أو المترجمة التي يدرسها التلاميذ، وقد عُيِّن رفاعة الطهطاوي مترجمًا بهذه المدرسة بعد عودته من فرنسا، وظلَّ يشغل هذا المنصب نحو السنتين.
وإنتهت إدارتها عام 1840م إلى الفرنسي برونو Brunhaut حتى أواخر عصر محمد علي ضابط أركان حرب إدارة مدرسة الطوبجية في طرة عام 1840م، وأقامها على النموذج الذي تسير عليه مدرسة الهندسة العسكرية بباريس
، وقد أُلغيت هذه المدرسةُ أيضًا في عهد عباس الأول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق