الاثنين، 14 أغسطس 2017

قصة الفخاريات 2

تابع ما سبق 
يعتمد تصنيع الفخار او انتاجه على :
 1- مواد خام وتقريبا فالارض كلها تراب وطين
2- ويعتمد على وجود مصدر للوقود الضرورى لبقاء النار مشتعلة مدة طويلة  وفى حرارة عالية  توفرها الاشجار الجافة وفروعها واوراقها
 3- ولابد من وجود حاجة ماسة الى انتاجه  وبالتالى فهو يحتاج الى وجود استيطان دائم وليس مؤقتا 

اى ان انتاج الفخار يرتبط ارتباطا وثيقا بمرحلة الاستقرار البشرى او الزراعة ، ولذلك فرغم وجود تماثيل فينوس الفخارية منذ حوالى 24 الف سنة
والعثور على فخاريات صينية عمرها نحو 20 الف عام
وفخار نهر امور الروسى عمره 14 الف سنة
وفخار جومون اليابانى عمره اكثرمن 10 الاف سنة

الا ان العديد من العلماء يقولون ان كلمة فخار pottery لا يجب اطلاقها الا على الاوانى والاوعية المرتبطة بعملية الزراعة واطلاق اسم التراكوتا على التماثيل الطينية ، ورغم ذلك فان مجتمع Yuchanyan Cave  الصينى قبل نحو 16 الف سنة انتج اوعية فخارية وكان مجتمع  "صيد وجمع" اما الاقدم فهى اوعية صينية ايضا فى Xianrendong cave  وعمرها نحو 20 الف عام 

مع بداية الزراعة تم استخدام الفخار فى الحياة اليومية ، فالجرار الفخارية الضخمة استخدمت كصوامع لحفظ الحبوب والسوائل خاصة الزيوت ، كما استخدمت الاوعية الاصغر حجما كادوات طبخ " حلة   برام  دلة " وصنعت من الفخار الاكواب والفناجين والاباريق والصحون والاطباق ، والزلعة والقلة لحفظ الماء ، كما استخدمت كاصص للزراعة والزهور وايضا صنعت من الفخار المواقد والمجامر بل وصنعت منتجات لمجرد الزينة 
استخدمت " نبتة " فى الصحراء الغربية الفخار فى الالفية العاشرة ق م وكانت مجتمعا رعويا شبه مستقر ، وربما كان فخار الثقافة التاسية  " دير تاسا"  شرقى النيل فى البدارى فى اسيوط فى الالفية السادسة ق م امتدادا لها 
لم تكن نبتة وحدها التى استخدمت الفخار فى الصحراء الكبرى ، ففى النيجر فى منطقة  temet - tagalagal عثر على فخاريات قدر عمرها بين 9330 سنة ق م ± 130 سنة الى9550 سنة  100 ± سنة ،
 قدر عمر الفخار الليبى فى ti-n-torha بنحو 9080 سنة  ±  70سنة ، وقدر عمر فخار نبتة ومنطقة بير كسبة بنحو 9300 ق م 

حاليا فان النيجر وتشاد ومالى وغيرها تكون اجزاء من الصحراء الكبرى ولكنها كانت قبل 10000 سنة ق م الى قبل 5000 سنة ق م اراضى خصبة ومراعى بل وغابات وشهدت اطوارها المطيرة ثقافات عديدة  
كانت اوانى الفخار المصرية فى نبتة ذات قواعد محدبة ورقاب قصيرة وفوهة واسعة وغير ملونة ، ولكن كان يتم تزيينها بنقوش قبل وضعها فى الافران واستخدمت لحفظ المنتجات الصلبة مثل الحبوب والسمك المجفف اما السوائل كالماء مثلا فقد كان يتم حفظه فى قشر بيض النعام 
ومن غير المعروف منشأ الفخار فى الصحراء الغربية هل هو محلى ؟ ام وافد من الخارج؟
وفى مجتمعات الصحراء الغربية كانت النساء تعد الطعام وترعى الاطفال وتقوم بصناعة الفخار كما كن يرسمن على الصخور بينما تخصص الرجال فى الصيد والحماية من الضوارى 
يرجح استخدام الفخار فى الحسونة شمالى الموصل  الى قبل نحو   7000  سنة ق م   الى 6500 سنة ق م ، وعرفت الثقافة العوبيدية فى حنوب العراق الفخار بين 5500 ق م و 4000 ق م ، واستمر الفخار فى " اور " التى خلفت العوبيديين بعد ذلك

ورغم انتشار الفخار الاوروبى قبل 5500 سنة ق م الى 4500 سنة ق م الا انه لم يصل الى جزر المتوسط الا قبل نحو 3100 سنة ق م ، ومنها الى اليونان القديمة فى العصور الكلاسيكية الاوربية 


يحتمل ان "عجلة الفخار " قد تم اختراعها اثناء ثقافة العوبيدين وفى مدينة اور تحديدا بين 6 الاف الى 4 الاف سنة ق م ، واتاحت العجلة الانتاج الكمى لكميات هائلة ، غطت الحياة اليومية كلها تقريبا
 وهناك من يرى ان عجلة الخزاف مصرية الاصل لاعتقاد المصريون القدماء ان
معبودهم "خنوم" شكل البشر باستخدام العجلة 

من الغريب ان " العجلة" ظلت مستخدمة اكثر من الف عام قبل ان يتم استخدامها فى عربات تجرها الحمير او الخيول ، من المحتمل ان اختراع عربة لها 4 عجلات تجرها الدواب كان فى سومر جنوب العراق قبل نحو 3500 سنة ق م ، ويعتقد اخرون انها اختراع " بولندى " اعتمادا على رسم تخطيطى موجود على اناء فخارى بولندى يعود  الى3635–3370     سنة ق م The Bronocice pot و فريق ثالث  رأها فى ثقافة Maykop غربى القوقاز جنوب روسيا حيث عثر على عجلتين من الخشب ، وقدر عمرهما بالنصف الثانى من الالفية الرابعة ق م 
وقد تكلمنا عن نقش العجلة فى جبة بشمال الجزيرة العربية من قبل 


نعود الى " البدارى " المصرية  فى الالفية الخامسة ق م ، حيث تميز الفخار فيها بلونه الاحمر،بينما كانت حافته اى "شفة الاناء " سوداء وكان ذلك يتم من خلال تغطية الحافة بالرمال اما باقى الاناء فيكون فى حفرة النار ، ويؤدى اختلاف ظروف الحرق من حيث التهوية الى ذلك التلوين ، واستخدموا اشواك الاسماك فى عمل خطوط على الفخار 
اشتهر وادى النيل بانتاج "الفيانس المصرى" وهو تقليد لحجر الفيانس شبه الكريم ، حيث كان يتم اعداد عجينة من الرمل المطحون المخلوطة بالحجر الجيرى والنطرون وكان رماد الخشب يوفر املاحا واكاسيد اخرى ، ويتم تشكيل العجينة على هيئة حبات الخرز وحلقات واساور وعقود وتمائم وجعارين و اكواب وحتى تماثيل الاوشابتى التى كانت توضع مع الموتى فى القبور ، وكانت اكاسيد الحديد والنحاس تعطى الفيانس المصرى الوانا زرقاء و خضراء تحاكى الوان الفيروز turquoise   السيناوى الشهير وتشابه لازورد بلاد الافغان البعيدة ، واعطت اكاسيد الكوبالت لونا ازرقا ايضا ، وحصلوا على اللون الاصفر من مركبات الانتيمون والرصاص ومن اكاسيد المنجنيز حصلوا على اللون الاسود 
لقد اتاحت وفرة الاحجار والخامات المتنوعة مصدرا غنيا بتلك الاكاسيد ، وجعل من الممكن انتاج مجموعات لونية رائعة من الفيانس المصرى وجعلته بديلا عن اللازورد الباهظ التكاليف 
وكما ذكرنا فالفيانس المصرى اساسا هو "رمل مطحون وحجر جيرى واملاح نطرون " وهى تقريبا خامات صناعة الزجاج ، ولايحتوى على الطين او الطمى او الطفلة لذلك يعتقد ان الفيانس او القيشانى المصرى هو الصورة المبكرة لانتاج الزجاج والاختلاف الرئيسى يكون فى طريقة الصنع وفى نسبة الخامات الى بعضها ، ولكن تأخر انتاج الزجاج المصرى  حتى الالفية الثانية ق م 
استخدم الانسان المصرى رماد النباتات المحروقة كمصدرلاملاح الصوديوم فى انتاج الفيانس حيث تمكن تلك الاملاح من انتاج الفيانس فى درجة حرارة افران الحفرة المستخدمة وهى بدائية منخفضة الحرارة
 وعندما اكثر من استخدام ملح النطرون فى الالفية الثانية ق م حصل على الزجاج 

من الممكن اعتبار الفيانس المصرى اقدم خزف مزجج رغم عدم احتوائه على الطين او الطفلة ، وربما كانت حبات الخرز المعثور عليها فى ابيدوس " العرابة المدفونة" هى اقدم انتاج للفيانس المصرى قبل نحو 5500 سنة ق م 
بجانب صناعة الاوانى والجرار وباقى المنتجات الفخارية قبل التاريخ وبعده ، فربما كان الفخار اول صفحة كتابة سجلها الانسان واستطاع نقلها من مكان الى اخر وبالتالى بدأ تبادل المعلومات بين الجماعات البشرية
 واذا كانت رسوم الكهوف والصخور هى وسائل التواصل البشرى قبل التاريخ فقد كانت غير قابلة للحمل او النقل 

فى سومر القديمة العراقية كانت الواح الطين تنقش عليها رموز تحدد كميات المحاصيل التى يتم توريدها الى المخازن واثمانها والضرائب المفروضة عليها واستخدموا اقلاما ذات رأس مثلثة لنقش تلك الرموز وعرفت بعد ذلك بالكتابة المسمارية ، وبعد نقشها كان يتم حرقها فتتحول الى فخار مسجل عليه كل ما يريدونه 
كما صنعت اختاما طينية واستخدمت فى ختم الرسائل فى سومر
 وظهرت الاختام ايضا فى مقابر نقادة المصرية "بين 4500 سنة ق م الى 3000 سنة ق م "
وربما كانت مستوردة من الرافدين 

ظهرت الاختام المحفورة على الحجر فى مصر واستخدمت فى النقش على الطين والفخار والشمع والورق ، كما ظهرت فى المقابر المصرية الاختام الجنائزية او المخاريط ونقشت عليها القاب الميت صاحب المقبرة وهى مجهولة الوظيفة 


ربما كانت صناعة الفخار قدرا محتوما بسبب تقدم الادوات الحجرية الدقيقة وظهور المجتمعات شبه المستقرة وحدوث تطور اجتماعى مصاحب لذلك تحولت فيه الفخاريات – فى حد ذاتها الى بضائع ذات قيمة فى التبادل بين البشر 

اهمية دراسات تطور الفخاريات والخزف:
تفيد دراسات الفخار فى معرفة نظام المجتمعات القديمة واقتصادياتها والمستوى الثقافى او الحضارى لمنتجيها و مستهلكيها ايضا وتلقى الضوء على الحياة اليومية والمعتقدات الدينية وعلاقات الجوار والتبادل الاقتصادى التجارى مع المجتمعات البعيدة ، كما امكن تحليل بقايا الاطعمة والتعرف على العادات الغذائية لتلك المجتمعات

استطاع" فلاندر بترى" فى اواخر القرن 19 م تقسيم وتمييز طرازات الفخار المختلفة واستخدم ذلك فى وضع التأريخ الزمنى النسبى للثقافات المختلفة فى مجتمعات قبل التاريخ وبعده ايضا ، فمن المعروف ان فخاريات اى مرحلة زمنية تحمل صفات من المراحل السابقة عليها وكذلك صفات من المراحل السابقة عليها
 فعلى سبيل المثال فوهة اى اناء فخارى قد تكون  واسعة او ضيقة ، حوافها للخارج ام الداخل و مستقيمة او متعرجة ، وسطح الفخار نفسه قد يكون مصقولا او املس اوناعما او خشنا والزخرفة وطبيعة المرسوم عليها او المنقوش  وكون الزخرفة بعد الحرق ام قبله  والمقابض واشكالها ووظيفتها بل ان شكل قاعدة الاناء يختلف فهو مستويا مسطحا اوكروى  وعمق الوعاء وحجمه وطبيعة الخامات والوان الفخاريات وظروف الحرق  وغير ذلك كثير 

فى الاعوام القليلة الماضية وباستخدام تكنولوجيا العصر النووى وتكنولوجيا آشعة الليزرتمت دراسة العناصر النادرة فى الفخار وتتبع مصدر الخامات بل وتاريخ التصنيع او الحرق ، بل ان علماء الطبيعة النووية يدركون تماما ان المواد الحديدية فى الفخار اثناء الحرق تحدد تماما حالة المجال المغنطيسى للارض فى ذلك الوقت بكل دقة
يتبع مع تحياتى
م نعمان 





 " 









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق